حدثني صديقي من القاهرة "أخبارك إيه؟ عملت إيه في الاستفتاء؟". أجبته: "الحمد لله كويس... قلت نعم. تيت... تيت... تيت     ضحكت وأغلقت الهاتف".

Ad

نعم... اخترت نعم في الاستفتاء على الدستور، اخترتها عن إيمان وقناعة بأنها الأصح والأصدق... اخترتها دون الرفض لمن قال لا ولا الغضب من صديقي الذي فضل أن يختار عدم الموافقة، اخترتها داعياً الله أن يكون خيراً لمصر في اختيار شعبها وصلاح مفكريها واتفاق سياسييها، اخترتها اقتناعاً لا اتباعاً.

 اخترتها لعدة أسباب:

أولا: وجود الكثير من المواد الجيدة جداً، كالتعريف بالدولة وهويتها وانتمائها وشروط رئيس الجمهورية، وكذلك مواد الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للفرد، ورعاية وضمان صغار المزارعين والعمال البسطاء... إلخ، كل هذه المواد جيدة جداً وموافقة لرأيي وآراء الكثيرين.

ثانيا: لا توجد المادة "المانعة" أو ما يمكن تسميتها "بالخطأ القاتل"، وهي المادة التي لو وجدت لأوجبت الرفض كأن ينص الدستور مثلا على إطلاق مدة بقاء رئيس الجمهورية أو حقه في تعيين نصف النواب أو التفرقة بين مصطفى وجورج ... إلخ. هذه المواد المانعة التي لا يقبلها أحد.

ثالثا: من الصعب جدا إن لم يكن من المستحيل الموافقة على كل مواد الدستور، نعم هناك مواد لا أوافق عليها، ولكن هذا ليس دستور محمد لطفي وأسرته، بل هو دستور مصر كلها، دستور أكثر من 90 مليون مصري، فمن الطبيعي جدا أن توجد مواد لا تعجبني ولكنها تعجب مصرياً آخر في مكان آخر، فمن المستحيل أن يوافق أكثر من 90 مليون على أكثر من 230 مادة، ولو أعيدت كتابته عشرات المرات.

رابعاً: يجب النظر إلى الدستور كمنتج (بفتح التاء لا بكسرها) فلا يعنيني من كتب الدستور؟ ولا إلى أي تيار ينتمي، ولكن ما يهمني ماذا كتب؟ فقد أوافق على المنتج (بفتح التاء) في ذات الوقت الذي لا أتفق فيه فكريا مع المنتج (بكسر التاء) أما حديث بعض المعارضين لو أن تيارا سياسيا آخر هو من قدم نفس الدستور بذات مواده لوافقنا عليه فحديث غير مقبول ولا يستحق التعليق.

خامسا: يتحدث البعض عن سوء النية وخبث الطوية في بعض المواد، وكما نعلم جميعاً، فالحديث عن سوء النية وحسنها، حديث عاطفي يرتبط بالحب والكره لا مجال له في المناقشة الواعية للدستور، وببساطة فإن كان الإخوان– مثلا- هم من يطبقون الدستور اليوم باعتبارهم في السلطة، فغدا قد يطبقه الشيوعيون أو الأقباط، فعن أي سوء نية يتحدثون عن الإخوان أم عن غيرهم؟

سادسا: اخترت نعم دون النظر إلى الاستقرار (كما يدعي البعض أنها الحجة التي خُدع بها الكثيرون) فالاستقرار لن يتحقق لا بنعم ولا بلا، لكنه سيتحقق فقط حين نعلي مصلحة الوطن فوق المصالح الشخصية والمكاسب الفردية، حين نحترم قرار الشعب أيا ما كان، حين لا يعتقد شخص ولا مجموعة أنها وصية على الشعب تتحدث باسمه وتتخذ القرار نيابة عنه، عندها فقط يتحقق الاستقرار.

وفي النهاية فقد اخترت نعم بدون زيت ولا سكر ولا 20 ديناراً، اخترت نعم كما اختارها الملايين غيري اقتناعا لا اتباعا، وبالتأكيد أتمنى أن تكون النتيجة النهائية هي الموافقة، ولكن لن أغضب أو أحزن إن جاءت بلا، فهذا اختيار الشعب والشعب وحده له حق السيادة في وطنه.

***

اليوم 21-12-2012 هو نهاية العالم وفق تقويم "المايا" فهل يمكن أن يكون نهاية الخلاف والشقاق وفق تقويم جبهة "الانقسام" الوطني، أم أن كليهما مستحيل؟