في مثل هذا اليوم منذ خمسين عاماً عقدت لجنة الدستور التي انتخبها المجلس التأسيسي أول اجتماعاتها. لجنة الدستور تلك كانت حجر الأساس الذي صدر بموجبه الدستور الذي نقل المجتمع البدائي من حالة سياسية مركزية مطلقة إلى صيغة هي أقرب إلى السلطة المقيدة وأشبه بالديمقراطية. بذلت لجنة الدستور تلك أقصى جهدها لإنهاء المشروع التاريخي التوافقي بين الحاكم والمحكوم، وأنهت أعمالها في فترة قياسية في 27 أكتوبر 1662، ومن ثم تمت مناقشته في المجلس التأسيسي إلى أن صدر الدستور وأصبح العقد الاجتماعي الذي ارتضاه الكويتيون وثيقة تحدد العلاقات بينهم وضماناً لحرياتهم وتعددياتهم التي طالما سعى البعض سواء من الحكومة أو غير الحكومة إلى تقويضها وتفتيتها. وحسناً فعل مجلس الأمة بإصداره مؤخراً كتاباً يوثق محاضر اجتماعات لجنة الدستور التي ظلت سرية سنوات طويلة يمنع الاطلاع عليها، مع أن جامعة الكويت كانت قد أخذت السبق ونشرتها بإصدار خاص سنة 1999. لم يكن مفهوماً لماذا ظلت محاضر لجنة الدستور سرية طوال هذه السنين؟ فلماذا لا يوجد احترام لحق الإنسان في الاطلاع والحصول على المعلومات؟ ولنأخذ مثالاً لجنة تقصي الحقائق البرلمانية عن الغزو، ولماذا يبقى التقرير سرياً حتى اليوم بعد مرور عشرين عاماً؟ ومع أن التقرير قد تم تسريب بعض أجزائه لبعض الصحف فإنه بات ضرورياً نشره بشكل رسمي على الملأ، كما بات ضرورياً إصدار قانون متكامل ينظم حق الحصول على المعلومات التي تدار الآن حسب المزاج الشخصي للمسؤول، بل إن قانوناً كهذا إن صدر فإنه سيخفف من كمية الأسئلة البرلمانية الكثيرة. إلا أن المجلس سواء كان أغلبية أو أقلية متواطئ مع الحكومة في حصار المعلومة لهم فقط. تشكلت لجنة الدستور من عبداللطيف ثنيان الغانم رئيساً والشيخ سعد العبدالله ممثلاً للحكم وحمود الزيد الخالد وسعود العبدالرزاق، رحمهم الله جميعاً، بالإضافة إلى يعقوب الحميضي، أطال الله في عمره، الذي انتخب أميناً للسر، كما قام الأستاذ علي الرضوان بأعمال سكرتارية اللجنة. كما شارك فيها أيضاً د. عثمان خليل عثمان الخبير الدستوري ممثلاً للمجلس والأستاذ محسن عبدالحافظ ممثلاً للحكومة، رحمهما الله، وكلاهما من مصر. جرت خلال اجتماعات اللجنة مماحكات وشد وجذب وأخذ ورد، ولم يمر مشروع الدستور بسلاسة لدرجة امتناع الشيخ سعد العبدالله عن الحضور لفترة بسبب عدم رضاه عن بعض المواد، وقد دل ذلك على أن نواب ذلك الوقت كانوا يدركون جيداً ما هم بصدده وأهمية الوثيقة التي يتعاطونها. ولا بد من العودة إلى الموضوع بتفصيل أكثر لاحقاً لكنها فقط للذكرى التي فرضت نفسها. ها نحن الآن في ذكرى مرور خمسين سنة على أول اجتماع للجنة الدستور التي وضعت اللبنات الأولى للدستور، والذي لا يبدو أننا كنا أوفياء للمبادئ التي رسمها الآباء المؤسسون لا من أغلبية ولا من أقلية ولا من بين بين ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أخر كلام
17 مارس ذكرى مهمة
17-03-2012