عندما شرعت في قراءة «رسائل إلى روائي شاب» لماريو بارغاس يوسا، قلت في نفسي بماذا ستفيدني قراءة هذا الكتاب بعد كتابة 6 روايات وعدة دواوين شعرية ومسرحيات، فما الإضافة التي سيمنحني إياها هذا الكتاب؟
قلت على الأقل اطلع على تجربة كاتب روائي من كبار روائيي العالم، ورائد من رواد الكتابة الروائية المميزة والمختلفة، وربما تكون تجربته أيضا مختلفة. لكني انتهيت بعد قراءته إلى ذات السؤال الذي سألت نفسي به قبل قراءته، وهو أن كاتب الرواية المحترف لن تفيده مثل هذه النصائح التي هي بلاشك عظيمة وكبيرة ومهمة ومتعمقة في شرح وفهم ماهية وجوهر الكتابة الروائية، والتي يقدمها ويشرحها بكل كرم وعطاء الكبير الذي لا يبخل ولا يمن بعطائه وتعليمه لأصول الكتابة الروائية لمن هم في حاجة ماسة لفهمها، والتي لا أدري كم سيفهمها من لم يمر بالمخاضات العملية الفنية الضرورية في شكل ومضمون المعمار البنائي في الرواية، لو كان هذا الكتاب موجودا في بداياتي الكتابية، وحصل وقرأته فبالتأكيد لن أفهمه ولن يفيدني في كتابة رواية، لأنني بكل بساطة لن أعرف المراحل التي يتكلم عنها، ولم أمر بمساربها واختباراتها، وهو الأمر الذي اكتشفته بنفسي من الطريق الذي تفرضه وتتطلبه شروط العملية الفنية والجمالية لأي عمل كان، سواء كان فنيا أو أدبيا، وهو الذي فرض نفسه عليّ في الحالتين، لأن هناك مسارات سرية تأتي من روح العمل وتفرض واقعها عليه، ولا يمكن فرض أي قواعد أو شروط جاهزة من خارج ظروف متطلبات أي عمل دون أن يكون نابعا منه ومتجانسا معه، ومتطلبات كل عمل له شروطه الخاصة التي لا تتطابق مع ما سبقه، حتى وان كانت لنفس المؤلف، وهو على فكره تقريبا ما وصل إليه ماريو بارغاس يوسا، فبعدما انتهى من تقديم كل نصائحه وشرحه لآليات الكتابة الروائية ومتطلباتها، عاد ليقول للشاب المبتدئ: إنني أحاول أن أقول لك أن تنسى كل ما قرأته في رسائلي، وأن تبدأ دفعة واحدة بكتابة الروايات. وفي رأيي أن قراءة هذا الكتاب جيدة للاطلاع فقط، لأنها للكاتب المحترف لن تفيده بشيء، فقد تعدى مراحل النصائح هذه كلها ووصل إليها بذاته، وأيضا بالنسبة للكاتب المبتدئ أرى أنها تعوق عفوية الإبداع ومسيرة تلقائية العملية الإبداعية التي ستستدل على صيرورتها بذاتها، وبالتالي ستعطي الكاتب خبرة اكتشافها ولذة اللعب بها، وتزيد معرفته بمتطلبات العمل الأدبي وفنيته. أهمية الكتاب تأتي من التعريفات في العمل الفني التي هي في غاية الجمال، وهي خلاصة وعي أستاذ كبير في حقل الكتابة الروائية، فمثلا يقول: قرارك بتنسم هذا الميل إلى الأدب، كقدر مصيري، يجب أن يتحول إلى عبودية. وأيضا يقول: «كل القصص التخيلية هي هندسات معمارية، تنتصب بالمخيلة والحرفية، استنادا إلى بعض الأحداث، والأشخاص، والظروف التي تركت أثرا في ذاكرة الكاتب، وحركت خياله المبدع الذي راح يبني، انطلاقا من تلك البذرة، عالما متكاملا، فالروائي لا يختار موضوعاته، بل هي التي تختاره، فحرية الكاتب في اختيار الموضوع هي حرية نسبية، وربما غير موجودة». وهو يقول عن النقد: «يمكن للبحث النقدي أحيانا أن يكون إبداعيا مثل أي رواية عظيمة أو قصيدة رائعة، لكنه لا يمكن له التوصل إلى استنفاد ظاهرة الإبداع وتفسيرها بشموليتها، فهناك على الدوام، في الرواية أو القصيدة الناجحة، عنصر أو بعد لا يمكن للتحليل النقدي العقلاني أن يتمسك به، لأن النقد تمرين للعقل والذكاء، بينما يتدخل في الإبداع الأدبي، وبصورة حاسمة أحيانا، إضافة إلى هذين العاملين، الحدس والحساسية والتخمين، وحتى المصادفة، وهي عوامل تفلت دائما من أكثر شباك البحث النقدي دقة، لهذا لا يمكن لأحد أن يعلم أحدا الإبداع، وأقصى ما يمكن تعليمه هو القراءة والكتابة، وما تبقى يُعلمه المرء لنفسه بنفسه، وهو يتعثر ويسقط وينهض دون توقف».
توابل - ثقافات
حينما يتحدث الكبير
16-07-2012