أثناء تفحصي بريدي الإلكتروني وقعت عيناي على رسالة تحمل عنوان «تصميمات بديلة لشعار مهرجان القاهرة السينمائي» في دورته الخامسة والثلاثين (27 نوفمبر - 6 ديسمبر)، وقادني الفضول لقراءتها فوجدتها تتبنى بياناً يقول: «اعترض عدد كبير من الفنانين والسينمائيين والإعلاميين الحريصين على سمعة ومكانة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي على الشعار الجديد الذي وزعه المهرجان مؤخراً، والذي يحمل توقيع رسام الكاريكاتور مصطفى حسين، باعتباره غير مفهوم ولا يعبر عن مصر الثورة، ولا عن الدورة التي أهديت لشهداء الثورة، ولا حتى عن السينما التي يمثلها المهرجان». وبناء عليه، كما جاء في الرسالة، «أطلق نشطاء ومهتمون مبادرة لتصميم ملصق لمهرجان الشرق أوسطي الوحيد، الذي يحمل الصفة الدولية، كبديل للشعار الذي كشف عنه المهرجان قبل أيام، ضم عدداً من التصميمات المعبرة التي تقرر إرسالها إلى إدارة المهرجان لإبلاغها رسالة صريحة من شباب المصممين بأن مصر لم تنضب من الإبداع، ولا الأفكار حتى يتم الاستعانة بتصميم محدود الخيال مثل المُعلن عنه».

Ad

 للوهلة الأولى لم أرتح للتنويه إلى «الفنانين والسينمائيين والإعلاميين» من دون ذكر توقيع، أو اسم واحد منهم، لكنني صدمت بسبب الفقرة التي جاء فيها: «باعتبار أن الشعار الجديد غير مفهوم ولا يعبر عن مصر الثورة، ولا عن الدورة التي أهديت لشهداء الثورة، ولا حتى عن السينما التي يمثلها المهرجان»؛ فالجهل ليس مبرراً للاعتراض، فضلاً عن أن الاعتراف بعجز من أطلق عليهم البيان «الفنانين والسينمائيين والإعلاميين» عن قراءة «البوستر» يفضح جهلهم، ويدينهم بأكثر مما يدين المهرجان الذي اختاره.

«انطلاقة الحرية» هو اسم «البوستر»، الذي أبدعه الفنان مصطفى حسين، ويتصدره جسدٌ تعلوه يدٌ تحمل حمامة السلام، وهي، حسب مفهوم الفنان، اليد الثائرة التي تشق الفضاء الأسود الذي كان يغلف مصر قبل ثورة 25 يناير، بينما اكتسى الجسد باللون الذهبي الذي يصف أولئك الذين قاموا بالثورة، بأن معدنهم من الذهب النفيس، فيما استقرت الحمامة على كف اليد، وكأنها تحمل السلام إلى العالم بأسره، وبدلاً من القراءة المتأنية، وفهم المعنى المراد من وراء رؤية الفنان التشكيلي، وليس رسام الكاريكاتور، كما وصفه البيان على سبيل الازدراء، كان الهجوم الأرعن، والتسفيه المهين!

بالطبع من حق أي مجموعة من النشطاء، كما أطلقت عليهم الرسالة، تبني مبادرة لتصميم «بوستر» بديل، لكن ما حدث أن الرسالة تجاهلت الإشارة إلى موعد التقدم بالتصميمات، كما تغافلت عن التنويه إلى أصحاب الأفكار الجديدة، واكتفت بمرفقات عبارة عن عدد من التصميمات الجاهزة التي وصفتها بأنها «تعبر عن روح المهرجان، وتنتمي إلى أجواء الثورة، كما تعبر عن تاريخ المهرجان الطويل والبلد العظيم الذي يستضيفه»، ولأنني مُغرم بالرسومات الكاريكاتورية، ولوحات الفن التشكيلي، أحسست، بعد التمعن في التصميمات، بتقارب الخطوط، ووحدة الفكرة، وكأنها من إبداع فنان واحد، وبحثت عن توقيعات المصممين فاكتشفت، ويا لها من مفاجأة، أن جميعها بالفعل من تصميم فنان واحد هو نفسه الذي يقف وراء إصدار البيان، وأنه وحده «الفنانون والسينمائيون والإعلاميون»، الذين تصدروا البيان!

لحظتها أدركت، وتيقنت، أنني أمام فضيحة ترتقي إلى درجة التدليس؛ فالمبادرة التي تُشير إليها الرسالة «وهمية»، كما أن «الفنانين والسينمائيين والإعلاميين»، التي قالت الرسالة إنهم احتجوا واستنكروا واعترضوا مجرد «أشباح» في خيال شخص مريض افتعل الأزمة، واختلق المشكلة، ليزكي نفسه، ويفرض تصميماته على إدارة مهرجان القاهرة السينمائي، مثلما وظف «البريد الإلكتروني» في واحدة من أحط عمليات التغرير بالمثقفين وبالرأي العام بأسره!

المثير أن المصادفة قادتني إلى اكتشاف أن «صاحب الفضيحة» صمم «بوستر» مهرجان الغردقة للسينما الآسيوية، ولما تقرر نقل المهرجان إلى «شرم الشيخ» لم يُجهد نفسه في تصميم ملصق آخر، واكتفى بتغيير الاسم، رغم رداءة التصميم وفجاجته، وسطحية ومباشرة أيقوناته، وهي السطحية والفجاجة نفسها التي اتسمت بها تصميماته المقترحة لمهرجان «القاهرة»، فقد اقتبسها من أفكار قُدمت في الكثير من الملصقات السابقة، بل إنه اقتبس في إحداها شعار حركة «أوتبور» الصربية، الذي اتخذته «حركة 6 أبريل» المصرية شعاراً لها أيام الثورة، ونقله بحذافيره، كما صبغ الأرضية باللون الأحمر،وكأنها الثورة البلشفية أو «الثورة الحمراء»!

  فخ عجيب وقع فيه البعض فانبرى للهجوم على إدارة مهرجان القاهرة السينمائي،بحجة أنها تُصادر حق الجيل الجديد من الشباب في الإبداع، بينما تعاطف البعض الآخر مع  أصحاب التصميمات التي أسفرت عنها «المبادرة»، ولم يكتشف،ربما حتى لحظة كتابة هذه السطور، أنه راح ضحية «نصاب تشكيلي» !