قرأت أن دعاة في الكويت يقضون وقتهم الآن في البحث عن جواز أن يرضع زوجٌ من صدر زوجته الحليب، وقد انتهى بهم الأمر أنه يجوز ذلك لأن الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما جاء فيه نص بالتحريم، وقد ظننت طوال فترة من الزمن أن هذه القاعدة لا يعرفها فقهاؤنا، لكنني اكتشفت أنهم يستدعونها عندما تميل إلى مصالحهم لكنهم يجهلونها مع شؤون النساء، والدليل على ذلك هذه القصة التي سأحكيها لكم في هذه السطور.  وقع بين يدي سؤال وُجِّه إلى أحد المفتين في بلادنا وقد نشرته إحدى الصحف على موقعها الإلكتروني حيث تظهر ردود القراء. كان السؤال عن جواز لبس المشد الصدري للمرأة، وجاء الجواب حاسماً، لا، لا يجوز لبس هذا المشد الصدري، وقد برر الشيخ تحريمه بأن النسوة يدلسن إذ يبدين أنهن أبكار أو نساء صغيرات، ثم ترك مخرجاً صغيراً للمريضات فليس على المريض حرج. ولم يوضح لنا الشيخ على مَن تدلس النساء السعوديات اللاتي يلبسن مشدات صدرية في بيوتهن أو في مجالس النساء أو تحت عباءاتهن الفضفاضة! لم تمر هذه الفتوى دون تعليق من النساء والفتيات، إذ ظهرت تعليقات ساخرة تحت الفتوى ترسل كل أشكال الفكاهة والتندر والاستنكار إلى درجة أن فتاة كتبت للشيخ تقول "وشتحس فيه؟" وهو سؤال استنكاري من قاموس الشباب اليومي يعني لماذا هكذا؟. ظاهرة التندر برأي فقهي من شيخ هي ظاهرة لم تكن موجودة من قبل، فلا أحد كان يجرؤ على أن يقول لشيخ يتحدث في مسائل الدين "وشتحس فيه؟"، لكن هذا الحدث غريب بالفعل من طرفيه، من شيخ في عصر العولمة المنفتحة حول ثقافات الناس والمعارف والتحديث لا يزال يظن أن من حقه أن يقول رأيه في ملابس الناس الداخلية، ومن جمهور الشباب الذي لم يعد هو جمهور الأمس المذعن لكل ما يقال له خاصة من الشيوخ والدعاة.  المعرفة قديماً كانت واحدة من مصادر القوة كالسلطة والمال تماماً، والشيوخ  كانوا هم مصدر المعرفة الوحيد. هذه المعرفة كانت تمتلك سلطة لأنها خفية وغامضة وغير متاحة للجميع، ومنها جاءت سطوتها على الناس، سطوة الذي يعلم على مَن لا يعلم. أما اليوم فبضغطة زر تستطيع أن تطلع على المعارف في كل الحقول والمجالات، وهذا الجيل الجديد الذي يتحدث اللغات ويتعامل مع التكنولوجيا، آخر ما ينتظره أن يسمع شيخاً يقول رأيه في ملابسه الداخلية أو يقول له إنه يجوز أن يرضع من حليب زوجته. ظننت وأنا أقرأ تعليقات الفتيات أن الحق على الشيخ الذي يصر على أن تكون هذه الموضوعات هي مجال بحثه ووقته، إلا أنني تذكرت اختصاصية نفسية تعمل في أحد المستشفيات قالت لي إنها اتصلت بشيخ ذائع الصيت لتسأله عن حقوق المرأة في الإسلام، لأن مريضاتها يجهلن حقوقهن وخاصة المطلقات منهن، فما كان من الشيخ إلا أن قال لها: "بلا حقوق، ما حقوق، تبين تسألين عن الحيض والنفاس ولا توكلي على الله".
Ad