مصر بين سليمان وأبو إسماعيل

نشر في 15-04-2012 | 00:01
آخر تحديث 15-04-2012 | 00:01
No Image Caption
 ياسر عبد العزيز إذا كنت من هؤلاء الذين تسمح لهم الظروف بالحديث إلى بسطاء المصريين بين وقت وآخر، فلا شك أنك تعرف أن أهم ما يشغلهم راهناً هو الحديث عن الانتخابات الرئاسية المنتظرة، وإذا كنت ممن يهتمون بسؤالهم عن اتجاههم التصويتي، فلا ريب أنك ستفاجأ بتوزع تأييد نسبة مؤثرة منهم بين اسمين: حازم صلاح أبو إسماعيل، وعمر سليمان.

نعم... يحظى اللواء عمر سليمان، مدير الاستخبارات المصرية السابق، ورجل مبارك القوي، ونائبه في الأيام الأخيرة من رئاسته، بتأييد شعبي ملحوظ، كما يتمتع الشيخ حازم، الذي يمثل تياراً يرتكز على الإطارين "الإخواني" و"السلفي" بشعبية كبيرة، لا تظهر فقط في المسيرات والتظاهرات المؤيدة له، ولكن أيضاً بين أوساط سائقي التاكسي، وعمال البناء، وسكان الأحياء العشوائية والمناطق الريفية والمهمشة، وبعض الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى. لقد قامت في مصر ثورة في 25 يناير 2011، أو هكذا يسود الانطباع، وقد خلعت تلك الثورة حسني مبارك من الرئاسة بعد 18 يوماً من الاحتجاج والاعتصام المجالدين والمبهرين في آن، وهو أمر كلف الأمة دماء نحو ألف شهيد وعدة آلاف من المصابين والمعوقين، ومع ذلك، سيمكن القول لاحقاً إن الرجل الثاني في نظام مبارك يتمتع بحظوظ طيبة للفوز بمنصب الرئيس.

كانت شعارات ثورة يناير "عيش... حرية... كرامة إنسانية... عدالة اجتماعية"، وهي شعارات كما يظهر بوضوح تتخذ سمتاً يسارياً. لعله يسار الوسط، الذي يهتم بقيم العدالة الاجتماعية، إثر عقود ثلاثة شهدت إضراراً منهجياً بالفقراء والمهمشين، وأوضاعاً استثنائية مزدهرة لرجال المال والأعمال، الذين اقتنصوا فرصاً ضخمة لتحقيق مكاسب خرافية، في دولة تشهد عجزاً مزمناً في موازنتها.

كانت الثورة أيضاً ميلاداً جديداً رائعاً للشعور العارم بالفخر الوطني؛ إذ عاد المصريون حقاً للتغني بأمجاد بلادهم، والإعلان بكبرياء مستحق عن روعة انتمائهم إليها، وقد حدث هذا في ظل انصهار واضح لما يسمى بـ"عنصري الأمة"، والمقصود هنا المسلمون والأقباط، الذين اندمجوا في جماعة وطنية واحدة بأهداف محددة جسدتها شعارات الثورة.

لكن بعد 14 شهراً من هذا السجل الناصع، يظهر تأييد قطاع مهم بين الناخبين المصريين للشيخ حازم الذي يمثل قيماً أبعد ما تكون عن "يسار الوسط"، ويتعالى أتباعه على "الدولة الوطنية"، فيبايعونه "خليفة للمسلمين"، فيما يكرس خطابه في كل لحظة مفاهيم تنأى عن فكرة المواطنة، ويميز بوضوح، ليس فقط بين المسلمين والمسيحيين، ولكن أيضاً بين الرجل والمرأة، التي يرى أنها "تعرضت لظلم كبير حين أُكرهت واضطرت للعمل على غير رغبتها، مما أدى إلى إهدار كبير لكرامتها".

لا شك أن المجلس العسكري الحاكم في مصر لعب دوراً كبيراً في الإساءة إلى الثورة عبر إدارته السيئة والبطيئة والمرتبكة والمتواطئة أحياناً للمرحلة الانتقالية، ولا شك أنه عمل، بشكل أو بآخر، على إعادة إنتاج الأوضاع السابقة، ليس فقط لأنه كان جزءاً من دولة مبارك ونظامه وخياراته، ولكن ربما أيضاً لـ"الحفاظ على مقدرات الدولة" كما يقول أو يعتقد.

ولا شك أن تلك الإدارة السيئة للمرحلة الانتقالية، إضافة إلى أخطاء بقية فرقاء المشهد السياسي المصري، سواء كانوا من تيار الثورة، أو التيارات الليبرالية والمدنية والعلمانية، أو حتى الجماعات السياسية ذات الإسناد الديني، لعبت دوراً واضحاً في الإساءة إلى مفهوم الثورة لدى الجمهور، كما دفعت بعض المواطنين إلى "لعن الثورة" لأنها "لم تحسن الأحوال، بل فاقمت الأوضاع سوءاً، بسبب عدم توافر الأمن، وتردي الاقتصاد، وهيمنة الغموض، وفقدان الرؤية".

كل تلك العوامل ربما لعبت دوراً في ميل قطاع من الجمهور لتأييد سليمان، باعتبار أنه على الأقل "قادر على إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الثورة، وقد كانت أوضاعاً سيئة إلا أن ما يحدث الآن أسوأ" من وجهة نظر هذا القطاع.

وفي المقابل أيضاً، هناك قطاع مؤثر آخر، وجد في تأييد حازم صلاح أبو إسماعيل هرباً من تلك "الأوضاع المأساوية"، ومحاولة للجوء إلى "دوحة الدين الصافي"، التي ربما تكون قادرة على انتشال هؤلاء "المأزومين" من أزمتهم المتجددة.

يظهر الإشكال جلياً في هذا التفكير لأن عمر سليمان كان نافذاً ومؤثراً في عهد مبارك، إلى درجة أنه كان مسؤولاً عن ملفات عديدة؛ منها الملف السوداني، والفلسطيني، والليبي، واليمني، إضافة إلى ملفي حوض النيل وأمن النظام، لكنه ببساطة فشل في إدارة كل تلك الملفات. فقد انقسم السودان، ونشأت دولة جديدة تربطها علاقات وطيدة بإسرائيل جنوبه، وفقدت مصر نفوذها في الملف الفلسطيني، ولم تنجح في عقد مصالحة بين أطرافه الفاعلة، كما سقط النظام في ليبيا واليمن، وتهددت حصة مصر في مياه النيل بعد اتفاق عنتيبي، وأخيراً... فقد سقط النظام المصري نفسه، وأخفق اللواء سليمان في إدارة الأزمة التي تسلم ملفها منذ يوم 28 يناير 2011، رغم تعيينه نائباً للرئيس.

أما أبو إسماعيل، فإنه لم يعط طيلة عمره الدعوي أو السياسي أي إشارة إلى كونه رجل دولة من أي طراز، بل لم تكن له أي مساهمات سياسية واضحة، وستكشف قراءة سريعة لبرنامجه السياسي ومنشوراته الدعائية حجم التهافت الشديد في فهمه للسياسة، كما ستظهر انقطاعه عن قضايا العصر وافتقاده لأي قدر من الحنكة.

وعلى سبيل المثال، فالرجل يتحدث عن رؤيته لعلاقة بلاده مع إيران في أحد منشوراته قائلاً: "العلاقة مع إيران تمثل قوة كبيرة وعنصر ضغط كبير على أميركا، يجعل أميركا تخضع لمصر" (...).

إنها مهزلة حقيقية أن تقود ثورة يناير قطاعاً من الناخبين إلى التمترس خلف رجل مبارك القوي عمر سليمان والمناداة به رئيساً رغم أنه عنوان للفشل في الأداء فضلاً عن أنه إعادة إنتاج رديئة لأوضاع مأساوية انتفض ضدها المصريون بالقطع، أو تأخذهم إلى الدعوة لانتخاب أبو إسماعيل، الذي يقدم رؤية أحادية قاصرة للأوضاع الداخلية والخارجية، ويطرح خطاباً ساذجاً للتعاطي معها.

تتصاعد فرص سليمان وأبو إسماعيل ويزيد عدد مؤيديهما في الواقع المصري يوماً بعد يوم، وهو أمر يمثل تهديداً جدياً للثورة المصرية وإساءة بالغة لها، أما نجاح أحدهما في الانتخابات وتوليه رئاسة الجمهورية، فربما يكون تهديداً جدياً للدولة المصرية نفسها، وهو أمر لم تنجح فيه إسرائيل مثلاً حينما احتلت سدس مساحة البلاد في 1967، ولا بريطانيا حين كانت تسيطر على البلاد كلها قبل نحو ستة عقود.

* كاتب مصري

back to top