متطرف يخدم متطرفاً
عندما يكون مستوى الاحتقان الطائفي أو الفئوى عالياً وقابليته للانفجار مرتفعة في أي لحظة ولأي سبب كما هي الحال عندنا هذه الأيام، فمن السهولة بمكان لأي شخص متطرف أو متهور أو باحث عن الشهرة والمجد الشخصي أن يؤجج العواطف أو المشاعر الطائفية والفئوية، ويستغلها ويوجهها في الاتجاه الذي يريده لأن العاطفة، أي عاطفة، تغيّب العقل كونها لا تبنى في الأصل على أي أساس علمي أو منطقي.في مثل هكذا أجواء غير صحية مغطاة بالغبار الكثيف يتكاثر عادة الانتهازيون وتجار الطائفية والفئوية من رجال دين وإعلاميين وعنصريين وطلاب جاه وثروة وسلطة، وكل واحد من هؤلاء يقول "الزود عندي!" لأن العملية مربحة للغاية بالنسبة إليهم، فالساحة مهيأة والعواطف جياشة والحكومة غائبة أو مغيّبة.
لذا، فإن مجرد كلمة واحدة من هذا الطرف أو ذاك جديرة بإثارة نار الفتنة، وسرعان ما يقابلها كلمة مضادة من الطرف الآخر بالقوة ذاتها أو بأعلى منها في أحايين كثيرة بينما جماهير التابعين، إما تتمايل طرباً ذات اليمين وذات الشمال، وإما تتأوه ألماً وتزفر غضباً دون وعي منها، وذلك حسب قوة الكلمة واتجاهها غير مدركة أن المتطرفين يخدمون بعضهم بعضاً!كل منهم يراكم الثروات ويحقق الأمجاد الشخصية بينما "جماهيرهم" لن تجني سوى الريح من عملية المتاجرة بعواطفها الإنسانية لأنها غير واعية أن الهدف الأساسي من إثارة الصراعات الطائفية والفئوية وتأجيجها هو إشغال الناس في معارك جانبية وقضايا هامشية حتى لا يتوحدوا في المطالبة بحل شامل وجذري لقضاياهم المشتركة.فمن هم على الطرف الآخر من الضفة والذين تُستغل مشاعر الجماهير وعواطفهم من أجل معاداتهم ليسوا سوى أبناء وطن واحد، بل ينتمون إلى طبقات اجتماعية واحدة (الوسطى والفقيرة) مصالحها مشتركة وتتقاسم الهموم والمشاكل ذاتها سواء من ناحية سوء الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية، أو غلاء المعيشة ونار الأسعار وازدياد معدلات التضخم النقدي، أو من ناحية تلوث البيئة، أو ارتفاع معدلات البطالة وانتظار أبنائهم شهوراً عديدة للحصول على أي وظيفة كانت، وغالبا لا علاقة لها بالتخصصات العلمية التي أمضوا أعمارهم في دراستها، أو انتظار السكن العائلي قرابة عقدين من الزمن، وغيرها من هموم الحياة اليومية التي تشترك فيها "جماهير" الأطراف المتطرفة بغض النظر عن أصولها ومذاهبها ومناطق سكنها. من هنا، فإن العناصر والقوى الحية والواعية في المجتمع تتحمل مسؤولية مضاعفة تتمثل من ناحية بتحميل الحكومة مسؤولية تخليها عن دورها الدستوري المحوري في المحافظة على أمن الجبهة الداخلية واستقرارها، ومن ناحية أخرى في توعية الناس حتى لا يكونوا فريسة سهلة للمتطرفين الذين يتلاعبون بمشاعرهم ويتاجرون بعواطفهم الصادقة.نافذة:عندما تراجعت جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر عن وعودها السابقة، وأعلنت فجأة ترشيح نائب المرشد العام للجماعة المهندس خيرت الشاطر لرئاسة الجمهورية ثارت ثائرة "الجماعة السلفية" في مصر، وهو ما انعكس مباشرة في التصريحات الغاضبة جداً لمؤسس الجماعة السلفية في الكويت السيد عبدالرحمن عبدالخالق التي جاء فيها "آثم ومجرم من يعطي صوته لخيرت الشاطر لرئاسة مصر"... وهنا فإنه يحق لنا أن نتساءل: ترى ماذا سيحصل لدينا لو تم تعديل المادتين (2) و(79) من الدستور؟!