رابطة الأدباء والحاجة إلى صناعة تاريخ جديد

نشر في 20-03-2012
آخر تحديث 20-03-2012 | 00:01
No Image Caption
 د. نجمة إدريس يبدو أن مسلسل الاستقالات الفردية أو الجماعية في رابطة الأدباء الكويتية بات من ضمن التقاليد الموسمية العريقة لهذه المؤسسة الثقافية، فالخلافات والاختلافات والتراشق بالبيانات الصحافية، ليست بأمور مستحدثة أو طارئة على أجواء الرابطة، فطالما سادت هذه الأزمات واستشرت وتواترت. نقول ذلك ليس من قبيل التندر أو المناكفة، بل رغبة في تشريح هذه الظاهرة (الثورية) التي بقيت سمة أصيلة ومطردة لدى أعضاء مجالس إدارات الرابطة المتعاقبة، وكانت إلى حدّ ما دلالة صحة وحركة نافرة في أفق السكون المهيمن.

ومن منطلق الخبرة السابقة بأجواء المجالس الإدارية في الرابطة، والمعايشة السالفة لمنعطفات الصراعات الأزلية بين الأجيال المختلفة والذهنيات المتباينة، يمكن أن أساهم بجملة من التعليلات التي ربما تفسّر ما يجري:

• رغم مرور ما يقارب نصف قرن على تأسيس رابطة الأدباء، ورغم تكريس الوعي بخطها الثقافي والفكري ورغم كونها مؤسسة نفع عام خاضعة لجملة من الاشتراطات الإدارية والقانونية، إلا أن جواً من الجهل أو التجاهل لبدهيات العمل النقابي في مجالس الإدارات ساهم في ترسيخ لون بغيض من الدكتاتورية، وهذا يظهر غالباً في ما يتخذه الأمين العام أو أمين السرّ أو بعض الأعضاء من قرارات أو مبادرات فردية دون اعتبار لمشورة أو رأي المجلس المنتخب بعمومه. وقد يكون هذا التصرف نابعاً من إحساس متوهَم بالسلطة المطلقة أو النفوذ الاعتباري للمنصب، الذي لا يخوّل صاحبه – تبعاً للائحة المعمول بها – لممارسة هذا اللون من الاستئثار بالقرارات.

• كانت ولاتزال مسألة (إصدار البيانات) حول مستجدات الأحداث والقضايا على الساحتين المحلية والعربية من المعضلات الشائكة في تاريخ الرابطة، فإصدار مثل هذه البيانات غالباً ما يصطدم باختلاف الآراء بين القبول والرفض، وغالباً أيضاً ما يصدر قرار النشر للبيان أو عدمه فردياً أو ممعناً في التفرد سواءً في اتخاذ القرار أو في صياغته، الأمر الذي لا يلبث أن يلهب المشهد العام في الرابطة ويأخذه إلى حافة التفجّر. وأعتقد بأن حل هذه المعضلة لا يكون إلا بالاستفتاء العام بين الأعضاء المنتسبين في عمومهم، حتى تأتي البيانات حول قضايا الساعة ممثلة للواقع الثقافي وتوجهاته الحرة.

• لفت انتباهي أن الأعضاء المستقيلين هذا العام ينتمون إلى ما أسموه (قائمة التجديد). وهذه التسمية وآفاقها تذكرنا بالجو غير المهادن بين التقليديين الذين حافظوا على مواقعهم في السنوات الأخيرة خاصة، وبين فئة من المجددين والطامحين لتغيير وجه الرابطة. ولعل الأمر بدا أكثر وضوحاً في مجلس الإدارة السابق حين وصلت إلى مقاعده مجموعة من جيل الشباب الطالع، الذي ظن أن حصوله على بعض مقاعد الهيئة الإدارية سيمكنه من الفعل والحلم بواقع مغاير. ولكن الأحداث جرت بعكس الأمنيات، ليجد هؤلاء الحالمون أنفسهم في زاوية حرجة، يجترون الحسرات، ويفندون أسباب استقالاتهم التي لم تختلف عن استقالات هذا العام.

• في رابطة الأدباء التاريخ يعيد نفسه دائماً، فالصراعات بين الأجيال والعقليات المتباينة ليست أمراً مستحدثاً، ومحاولات التغيير والتجديد ونفض غبار الركون والبلادة والانفتاح على عالم أكثر اتساعاً، كانت أحلاماً وأمنيات لثلة من الحالمين السابقين، وستبقى أحلاماً غالية للقادمين أيضاً. ولكن يبدو للمتأمل أنها أحلام كبيرة بدرجة لا يحتملها واقع الرابطة المرتبك، وهو واقع أراه صورة طبق الأصل من واقع سياسي واجتماعي وثقافي عام يعاني الكثير من الضغوط والمعوقات. وما الرابطة والمنتمون إليها سوى عينة من هذا الواقع المأزوم.

• لا يستطيع أحد أن ينكر ما لرابطة الأدباء من تاريخ عريق يستند إلى جهود مؤسسين مخلصين، تماماً كما يستند إلى مساهمات أجيال من المبدعين كان للرابطة خاصة دورها المشهود في اكتشافهم ودعمهم. ولكن يبقى أن المؤسسات الثقافية ليست نصباً تذكارية ولا أصناماً، بقدر ما هي كائنات حية متحركة ومستجيبة لنبض الحياة وسننها، لذا فالحاجة إلى صناعة تاريخ جديد لا بد أن يظل من الهواجس الملحّة لأي مؤسسة ثقافية رائدة. وأعتقد بأنه كلما أطلقنا العنان لرياح المتغيرات كي تأخذ مساراتها الطبيعية، كانت الحياة الثقافية في الرابطة أرحب وأكثر صحة وفاعلية، وقطعاً أقل تأزماً.

 

back to top