ينتهي ملخص الكتاب بزيارة الرئيس أمين الجميل إلى دمشق وإلغاء اتفاق 17 مايو مع إسرائيل يوم 5 مارس 1984، ويبدأ باغتيال بشير الجميل وبمذابح صبرا وشاتيلاً، مروراً بالصدامات الداخلية اللبنانية ليس فحسب بين قوى المعسكرين، المعادي للاجتياح والمتعاون معه إلى أقصى الدرجات، وإنما أيضًا إلى الصراعات داخل المعسكر الواحد وفي مقدمة ذلك الصراع بين الرئيس اللبناني أمين الجميل و{القوات اللبنانية»، وبالمذابح وأعمال التهجير والنهب والسرقات التي ارتكبتها أطراف مختلفة بحق مدنيي المعسكر المضاد.

Ad

يسرد الكتاب أيضاً قصص الأشخاص الذين أدوا دوراً في هذا الفترة، ولا يزال الكثير منهم في موقعه. استكمالاً للمجلد الأول عن «أسرار الحرب في لبنان»، يشكل هذا الكتاب الجديد نصاً مرجعياً لفهم أساسيات الوضع الراهن في لبنان والشرق الأوسط، من خلال تمكنه في الاطلاع عن محفوظات غير منشورة تخص جميع الأطراف، ويتردد أن المؤلف حصل على أرشيف القوات اللبنانية من أحد قادته السابقين، واستطاع من خلاله أن يصف ما وراء الكواليس وفي الاجتماعات وأبرز اللقاءات التي تعد فضيحة سياسية في جوانب منها. على أن الكتاب الذي جمع كواليس سياسية لبنانية كثيرة يركز على العبارات والتفاصيل الشبيهة بطريقة «ويكيليكس» بما تحمله من دلالات، مع الأخذ في الاعتبار أن الكتاب يتضمن معلومات مغلوطة كثيرة أيضاً سواء في الهوامش أو معاني الكلمات، إلى جانب أن المؤلف بدل أن يوثق جيداً بعض مرجعياته من خلال النصوص بدا كأنه يسرد رواية التي تشبه لعبة المصادر في الصحافة اللبنانية. وفي الجانب الآخر، يتضمن الكتاب عدداً من الحوارات الموثقة بالأسماء والتواريخ للقاءات فادي أفرام، القائد السابق في القوات اللبنانية، مع كبار المسؤولين في إسرائيل ومندوبيهم في مكاتب الموساد المنتشرة في بعبدا والجمهور وطبرجا وضبيه... ثمة حقيقة موثقة أن تنافساً بلغ التقاتل الدموي لجأت إليه طائفتان في لبنان الصغير من الموارنة والدروز للفوز بالدعم الإسرائيلي، وإشهارهما خرائط الكانتونات عند الحاجة.

تفاصيل مملة

يبين الكتاب تفاصيل مملة عن العلاقات بين بعض السياسيين اللبنانيين مع إسرائيل، وصراعات أنصار الرئيس الراحل بشير الجميل «القواتيين» في مواجهة شقيقه أمين الجميل الذي استبق انتخابه رئيساً للجمهورية يوم 21 سبتمبر (بجهود صائب سلام) بلقاء يوم 19 سبتمبر مع وفد من «الموساد» تولى إبلاغ كميل شمعون الانسحاب من السباق الرئاسي لمصلحة أمين، ثم في 20 منه استقبل وفداً ضم شامير وشارون ومن الموساد مرحباً بهم «لأن علاقتنا بكم منذ عام 1958»، مستذكراً لقاءه وشارون في عرض البحر، وضيافة كيمحي وزوجته له في تل أبيب، لينتهي اللقاء «بتناول لحم الشاورما»، في حين لم تكن جثث ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا قد دفنت بعد. ولم يطل الوقت حتى بدأ الإسرائيلي لعبته على المكشوف في التحضير للتقاتل الماروني - الدرزي في الجبل!

برز التنافس مبكراً بين مشروع أمين كرئيس «الذي يكره القوات» والقوات اللبنانية «التي ترى أنه يريد رؤوسنا»، فوضع الرئيس المنتخب آنذاك خطته في اللعب فوق الطاولة وتحتها... وهكذا قرر سراً التوجه إلى معلف «القوات»، مكلفاً سامي مارون بالمحادثات مع إسرائيل، ومن دون معرفة الأميركي ممثلاً بفيليب حبيب، إلى أن اكتشفتها أجهزة تنصت حبيقة، فأثارت قلق القوات و»فجرت العودة مجدداً إلى فكرة دولة للمسيحيين (أسموها العرين) وتم إرسال جعجع إلى الجبل لوضع هذه الاستراتيجية موضع التطبيق، وتمنى روجيه ديب على مندوب الموساد مندي بالتوقف عن الكلام مع جنبلاط لإضعافه.

لم تنفع براعة أمين الجميل في اللعب فوق الطاولة وتحتها مع كل من إسرائيل وسورية وأميركا وحلفائه المحليين، فكان انزعاجه من كشف الإسرائيلي بنود لقاءات مارون السرية معهم أمام فيليب حبيب الذي لم يكن على علم بذلك من أمين، والتي سبقت محادثات 17 مايو، فتولى والده بيار الجميل مسؤولية الدفاع عنه.

عمل آلان مينارغ 22 عاماً على مشروعه، الذي يكتمل اليوم مع صدور الجزء الثاني. في الكتاب السابق «أسرار حرب لبنان ـــ من انقلاب بشير الجميّل إلى حرب المخيّمات الفلسطينيّة»، بدأ الصحافي المعروف من عزم بشير الجميّل على الاستيلاء على السلطة، بعدما اغتيل. ويفصّل الجزء الأوّل كيف انطلق بشير بمحادثاته مع الدول العربية، بعدما اعترفت به واشنطن طرفاً محاوراً، وكيف أقام تحالفاً عسكريّاً مع أرييل شارون ورفائيل إيتان، لطرد الفلسطينيين من لبنان. ويصل إلى اغتيال الرئيس الشاب بعد ثلاثة أسابيع على انتخابه، وما تلى ذلك من اجتياح إسرائيل للبنان، ثم مجزرة صبرا وشاتيلا.

 عمل مينارغ مراسل حرب، واستقرّ لسنوات بين بيروت والقاهرة، قبل أن يصبح المدير العام المساعد لـ «راديو فرانس انترناسيونال» RFI، ونائب رئيس «راديو مونتي كارلو RMC ـــ الشرق الأوسط». وإذا كان مينارغ يسعى إلى تقديم جانب من كواليس الحرب اللبنانية والصراعات الدائرة، فاللافت هو مسارعة بعض الأطراف السياسية في لبنان إلى استعمال الكتاب لأجل إدانة فريق آخر، وتغض النظر عن شخصيات في الكتاب كانت تتعامل مع إسرائيل وهي الآن حليفة لمحور «حزب الله». واللافت أيضاً أن علاقة بعض اللبنانيين بالإسرائيليين تشبه علاقة بعض اللبنانيين بالسوريين، فهي علاقة قائمة على الدونية إذا جاز التعبير، وفيها مواقف كثيرة تدل على الدونية في السياسة، خصوصاً لغة الاستجداء والانبطاح.