لا يمتلكون شيئاً سوى رد الفعل!
هذا الانشغال، أو التشاغل، ليس في الواقع سوى صرف لنظر الناس عن وجوب مسارعة النواب والقوى السياسية بتقديم مشروع إصلاحي حقيقي يخرج بالكويت من هذه الأزمة الحقيقية العميقة، التي لن يمكن أبدا حلها بالضغط السياسي والشعبي بالشاكلة الحالية.
لا شيء يصدق في مشهدنا السياسي المحلي اليوم كما يصدق بيت الشعر الظريف الشهير: " تكاثرت الظباء على خراش... فما يدري خراش ما يصيد" فالغموض والانقسامات، بل الفوضى العارمة والعميقة، هي سيدة المشهد بلا منازع. كمية المبادرات والمشاريع والتجمعات والحملات السياسية من مختلف الأطراف، والتي تزعم جميعها بلا استثناء أنها تسعى إلى المصلحة العامة، صارت أكبر من قدرة أي متابع على التركيز والاستيعاب، حتى وصلت الحال بأغلبية المتابعين والمتعاطين بالشأن السياسي إلى فقدان الرغبة في متابعة ما يجري أو حتى الالتفات إلى أي جديد قد يطرح في خضم هذا الضجيج الذي بات يصم الآذان. وبطبيعة الحال، فلا أحد يستطيع الآن أن يجزم إلى أين تتجه الأمور، بل سأمعن وأقول إنه لا أحد يستطيع أن يجيب، هل لدينا بالفعل حكومة تسيطر على الأمور أو برلمان يقوم بدوره أو نظام عام أو ربما حتى دولة معتبرة؟! وفي ذات الوقت فلا يمكن القول أبدا إن هناك طرفا بعينه هو المسؤول عن هذه الفوضى، وإنه هو الذي يحرك جميع خيوط اللعبة، بعدما سادت هذه الفكرة لفترة من الزمن واعتنقها بعض الناس، وذلك لأن تشابك الخيوط قد أضحى أكبر بكثير من قدرة أي طرف على الإدارة والتحكم، كائنا من كان، ولهذا فأنا أؤمن تماما، أن جميع الأطراف، من أعلاها إلى أدناها، قد غرقت في هذا المستنقع الفوضوي الموحل، وصارت تتطلع إلى مواقف بعضها بعضاً علها تتخذ ردود أفعالها، فتتظاهر بعد ذلك أمام الناس- وربما أمام نفسها- بأنها لا تزال تمتلك شيئا يمكنها تقديمه، لكن الحقيقة أن جميع الكتل البرلمانية، بلا استثناء، تبين لنا أنها لا تمتلك مشروعا واضحا للحل، بل ثبت أن كل ما طرحته في السابق لا يتجاوز كونه شعارات فارغة لا تحتوي على أي قيمة حقيقية، وذلك مهما ارتفع سقفها في الظاهر فتأجج حماس الجمهور معها. ناهيك عن الحكومة الواضح أنها متورطة ولا تعرف ماذا يجب أن تفعل. وعلى سبيل المثال، فالانشغال اليوم وبهذه الكثافة بحملة تجميع للتوقيعات لا قيمة لها دستوريا اللهم إلا قيمتها الرمزية والمعنوية، والتي لن تغير من الواقع شيئا إن اتجهت الحكومة- وهو ما يبدو أنه سيحصل- إلى الطعن بقانون الدوائر الحالي بدعوى عدم دستوريته ودفعت به إلى المحكمة الدستورية، وهي التي تشير أغلب الآراء المختصة إلى أنها ستقر ببطلانه فعلا. هذا الانشغال، أو التشاغل، ليس في الواقع سوى صرف لنظر الناس عن وجوب مسارعة النواب والقوى السياسية بتقديم مشروع إصلاحي حقيقي يخرج بالكويت من هذه الأزمة الحقيقية العميقة، التي لن يمكن أبدا حلها بالضغط السياسي والشعبي بالشاكلة الحالية. بل إن هذه المعارك السياسية الجانبية ليست سوى مخرج لأولئك النواب العاجزين في الحقيقة عن تقديم مشروع سياسي معتبر للمواجهة كي يقدموا فصلا مسرحيا جديدا يتظاهرون من خلاله بمزيد من البطولات، وهو الذي سيدفع الحكومة رغما عن أنفها للانفراد بتحريك المشهد السياسي وفق مخططاتها واجتهاداتها. نحن بحاجة إلى التفاف القوى السياسية والنواب الرغبين في الإصلاح حقا، حول مشروع سياسي واحد ومحدد، يتجه نحو الإصلاح الشامل، برؤية واضحة وخطة مرحلية زمنية محددة، وإلا فإننا لا نتجه إلى المجهول كما يظن البعض، وإنما نتجه إلى هاوية، وليس هذا بتشاؤم إنما هو توصيف.