ما كنت كاذباً

نشر في 07-10-2012
آخر تحديث 07-10-2012 | 00:01
 ناصر الظفيري سألني أحد الإخوة الزملاء هنا في كندا: لماذا تركت الكويت إذا كنت تمتدحها كل هذا المديح؟ فقلت له باختصار: تركتها برغبتي وأنا أحبها حتى لا يضطرني أحد لتركها فأكرهها. وفي أكثر نقاشاتنا مع الزملاء العرب كنت أفتخر بوطني الذي تركته وأفتخر بمساحة الحرية الكبيرة التى يعيشها أهله ويرفضون أن يتغير نظامهم السياسي الذي تآلفوا معه وتآلف معهم فلم يحرمهم خير الأرض ولم يمنعهم حق النقد الذي يصل أحيانا الى التجريح. في الكويت تكتب وتهاجم الحكومة وتذهب إلى بيتك لتنام دون أن تخاف من زوار الفجر وبوليس الكلام وتلفيق القضايا ضدك. يشتم أحدهم أمير البلاد الراحل رحمه الله في المطار علناً أمام الناس فيذهب به إلى التحقيق ويتصل الأمير شخصيا للإفراج عنه والتنازل عن حقه فيخرج في الليلة ذاتها لينام بين أهله دون أن يتعقبه أحد. كان أغلب الكتاب البدون وأنا أحدهم نعمل في مؤسسة عسكرية ونكتب ما نريد وتمنع وزارة الاعلام كتبنا ولم يتعرض أي منا الى التحقيق، مجرد التحقيق، في ما نقول أو نكتب.

كانت صورة الكويت أزهى من جميع صور البلاد العربية، ليس بما منحها الله من ثروة وثراء ورفاهية عيش، ولكن حظها الأكبر كان بحكامها الذين يعايشون الناس ويقتربون منهم بأفراحهم وأحزانهم. وربما كان أغلب تجار الكويت يعيشون في قصور أفخم من قصر الأمير ورئيس الوزراء. لا أحد يدعي كمالا في البشر، ولكن لا أحد ينكر حرية المواطن الكويتي وحرية العرب الذين يعيشون عليها. الكويت التي احتضنت أسماء من مشاهير الأدباء كالسياب وغسان كنفاني وناجي العلي وغيرهم ممن لم تحضرني أسماؤهم.

كنت أقول هذا وأنا أعلم أنني لا أكذب ولا أريد تزكية من أحد، ولست طامعا في شيء بعد هذه السن.

ما الذي تغير؟ كان المشهد غريبا علينا في الأيام الماضية. فلا تلك هي الثقافة التي خلفها الجيل الأول ومعلمونا الأوائل، ولا هي الصورة التي يمكن أن نقنع بها الآخر عن سبب تميز الكويت وتفردها عن سواها. في لقاء للدكتور أحمد الربعي، وهو لقاء شهير على قناة الجزيرة، مع أحد أركان النظام العراقي، قال له الربعي كلمة موجعة: أنا لا ألومك أنت تخاف أن تقول شئيا عن النظام، أما أنا فأقول ما أريد عن حكومتي وأذهب لأنام مع أولادي دون أن أخاف على نفسي.

لماذا صرنا نضيق ذرعا بمجموعة من الشباب ترى أن لها حقا بالوطن الذي عاشت به أبا عن جد منذ أكثر من خمسين سنة ويطالبون بحقوق إنسانية كالتعليم والصحة والوظيفة، وهي حقوق مكفولة لكل من يعيش على أرض الوطن، وهي أيضا حقوق كان يتمتع بها الجيل السابق لهم والجيل الذي سبقه. ما الضير لو حددت لهم الحكومة مساحة من الأرض الخالية وطالبتهم أن يعبروا عن رأيهم فيها ثم يمضوا الى سبيلهم. فليس من مطالبهم تغيير النظام والثورة عليه بل بالعكس كانوا يصرون على الولاء له. لماذا نقلب صورة البلد الذي اشتهر بها وسماحته ومساحة حريته لأن هناك من يذكرّنا بتصحيح أوضاع خاطئة تراكمت عبر الزمن وتوارثتها أجيال لا ذنب لها.

البدون هم الندبة الوحيدة في وجه هذا الوطن الجميل والسلطة الوحيدة القادرة على اقتلاعها هي القضاء، وهي السلطة التي نثق بها جميعاً وليس الحل بيدهم ولا بيد رجال الشرطة.

back to top