خطورة رسالة فيلم «الديكتاتور» بطولة ساشا بارون كوهين، الذي شارك في كتابته وإنتاجه، تكمن في نهايته التي يتزوج فيها «الديكتاتور» من فتاة يهودية، أنا فارس، فيتراجع الضغط الدولي على الفور، ويعود ليحكم بلده بالقهر، ويُقيم انتخابات مزيفة ينجح فيها بقوة الدبابات والمدرعات، وتُصبح الزوجة اليهودية «السيدة الأولى»!

Ad

نسق خبيث ومتآمر تسير عليه أحداث الفيلم الذي أثار بطله ضجة في كل مكان ظهر فيه، بعد التجائه إلى أشكال غريبة من الدعاية أثارت الامتعاض بأكثر مما حققت الهدف من الترويج للفيلم، الذي يتسم بالبساطة التي تصل إلى حد التسطيح، وهو يصف «الديكتاتور» بأنه مثل قُمع {اللانشون»: «صلب من الخارج لذيذ ومفروم وناعم من الداخل» بينما يراه كل من حوله: «ثمرة بصل طبقتها الأولى لعينة وبعدها 10 طبقات أخرى لعينة» (!) وفي سبيل توصيل هذا المفهوم ينتقي الفيلم الحكام العرب وحدهم، من بين طغاة العالم، ليتندر بهم، ويسخر منهم بطريقة لاذعة لا تخلو من افتعال، ومبالغة فاقت الحد أحياناً!

في الفيلم، الذي أخرجه لاري تشارلز، تتهرب الشركة المنتجة (باراموانت) من الملاحقة القانونية بسيناريو شارك في كتابته أربعة كتاب، من بينهم ساشا بارون كوهين، لا يُشير إلى «ديكتاتور» عربي بعينه، وإنما يجمع بين ملامح وسلوكيات أكثر من رئيس عربي ليرسم صورة «الدكتاتور» كما تخيله؛ فهناك جنون القذافي، وقسوة صدام ودمويته، وافتتان أحمدي نجاد بالقوة النووية، لأن الفيلم يقدم «توليفة» تجمع بين صدام والقذافي وأحمدي نجاد مجتمعين. للتأكيد على هذا المعنى تعمد أن يصنع لدولة «الديكتاتور» علماً تختلط فيه الرموز والدلالات؛ فالنجوم ترمز إلى جمهوريات «الطغاة»، والسيفان المتقاطعان اللذان يتوسطان العلم يحيلانك إلى الممالك أما اللون الأخضر فيحمل إسقاطاً على دولة عربية تخلت عنه أخيراً!

هذا الالتباس المتعمد من جانب صانعي الفيلم تجلى بوضوح في زمن الأحداث التي تجري في عهد أوباما، واختيار اسم «واديا» القريب من اسم ليبيا، ليكون اسم دولة «الديكتاتور»، التي انتقى لها موقعاً جغرافياً «وهمياً» على الخارطة؛ بحيث تقع على ساحل البحر الأحمر، وبالقرب من السودان. للمزيد من التعتيم، تبدأ الأحداث بالأجواء المتوترة التي تخيم على العالم، لأن دولة «واديا» منعت وفد المفتشين التابع للأمم المتحدة من دخولها للتفتيش عن الأسلحة النووية، فالواقعة جرت في العراق إبان نظام صدام، بينما يُشير الحوار إلى أن «العقيد» علاء الدين، في إشارة إلى القذافي، هو الذي أصدر قرار منع المفتشين، وهو تشويش مقصود للتأكيد على عدم وجود فارق بين القذافي وصدام ونجاد، الذي جاء ذكره في معرض الحديث عن رغبة «العقيد» في امتلاك مفاعل نووي أسوة بصديقه الحميم، وندد «كوهين» بتحايلهما، وتغريرهما بالعالم، سعياً وراء توظيف الذرة في الأغراض السلمية، بينما لم يُشر، ولو بلقطة أو جملة حوار واحدة، إلى امتلاك إسرائيل، بالفعل، أسلحة وقنابل نووية!

إشارات ودلالات ورموز امتلأ بها الفيلم، وتصب كلها في خانة السخرية من العرب، والحط من شأنهم، عن طريق وصفهم بأنهم جهلة ومتخلفون... أفكارهم مجنونة، وسلوكياتهم غريبة الأطوار، يمتطون الجمل في قلب نيويورك، ويضيقون بالرأي الآخر، ويعصفون بالمعارضين، بالتصفية الجسدية، وعندما يحبون ينجذبون إلى فتيات يُشبهن الغلمان!

رؤية متطرفة، ومتعصبة، ومتشنجة، لا تخلو من عنصرية، بدليل تعمد تصوير «الديكتاتور» العربي بأنه «متطرف بالفطرة»، مولود، في جو تآمري، بلحية كثة، وبزة عسكرية، محاط بالعاهرات، ويحتكر في شبابه المراكز الأولى في المسابقات الرياضية بالغش والخداع، وينظم الأوليمبياد ليفوز بها وحده، بعد اغتيال منافسيه، وهي السخرية اللاذعة التي كان من الممكن تقبلها لولا المبالغة، وانطلاقها من نظرة عدائية كارهة للعرب، ابتداء من اختيار اسم «علاء الدين» كاسم للعقيد «الديكتاتور»، في ازدراء واضح للاسم الذي اشتهر بالبطولة في الأساطير العربية، والحشو الزائد للمواقف التي أثقلت كاهل إيقاع الفيلم؛ خصوصاً الجزء الذي انتقل فيه «الديكتاتور» إلى أميركا، ليلقي خطاباً في الأمم المتحدة، كما فعلها القذافي ذات يوم، والتنديد بمواقف «النشطاء» الأميركيين، وأعضاء منظمات حقوق الإنسان، واتهامهم بالجهل والطيش والرعونة بحجة أنهم يدافعون عن متهمين في قضايا إرهابية تهدد أمن أميركا وسلامتها!

«كليشيهات» وأفكار جامدة تأثر بها الفيلم، الذي حركته مؤامرة مشبوهة، وانساق وراء أكاذيب خبيثة، وأفكار مدسوسة، تروج لمزاعم صهيونية طالما استهدفت تشويه صورة العرب؛ فمع كل لقطة أو جملة حوار تتجلى عنصرية الفيلم، وكراهيته الواضحة للعرب، وكأن الفيلم من تأليف وإنتاج «اللوبي الصهيوني»!