وطنية الشباب ومثلث برمودا!
الحراك الشبابي المفعم بالإخلاص والنظافة ظل حبيساً في مثلث برمودا المرعب، فمن جانب تواجهه الحكومة وحلفاؤها وإعلامها وقوتها السياسية والإدارية، ومن جانب تمنع الأغلبية البرلمانية المبطلة بحكم المحكمة الدستورية خروجه من تحت ضلعها، وتريد هذا الزحم وقوداً لخطاب بعض أعضائها الطائفي والاستفزازي.
في ظل الأجواء القاتمة وانفراط السبحة السياسية، حيث الكل تقريباً بات منشغلاً بالكل بدءاً بالتيارات والقوى السياسية ومروراً بالشخصيات العامة المتصدرة للعمل العام وانتهاءً بالصحف المحلية التي ما إن تتصفح أوراق الكثير منها حتى تشعر أنك في بلد مختلف وشعب آخر، يبقى هناك بصيص أمل في مجاميع شبابية تعمل ليل نهار، وتتواصل مع مختلف الفرقاء لإيصال صوت الأغلبية الصامتة، وتبذل الآن جهوداً ميدانية للخروج بجبهة وطنية تترجم أهدافها وخطابها بإخلاص ومسؤولية بعيداً عن أي نوع من التكسب الخاص. وبحسب تجربتي المتواضعة في العمل السياسي، فإن نجاح أي عمل وطني لا بد أن يستند إلى ثلاثة أركان على الأقل، أولها الحيادية الرامية إلى تحقيق المصلحة العامة، وثانيها العناوين الرئيسة التي تفرض احترامها وقبولها عند السواد الأعظم من الناس، وثالثاً التجسيد الفعلي للمكونات الشعبية حتى يعطي أي تحرك قيمة حقيقية مؤثرة ليس فقط في طبيعة مطالباتها بل في نتائجها وآثارها على الجميع. ولكن ما نراه اليوم من حراك له زخمه الكبير وقد انطلق من عناوين في غاية الأهمية والخطورة ووضع يده على الجرح النازف منذ سنوات طويلة بسبب الفساد السياسي الذي حول هذا البلد وخيراته وخدماته إلى مستنقع تجاري استبحيت فيه كل أشكال الجريمة، وصرنا نخجل من كثرة سرد صورها حتى أصبح إطعام الناس لحم الخنزير من الصغائر، مقارنة بفنون النهب وأكل السحت والظلم والكذب والحيلة.ولكن هذا الحراك المفعم بالإخلاص والنظافة ظل حبيساً في مثلث برمودا المرعب، فمن جانب تواجهه الحكومة وحلفاؤها وإعلامها وقوتها السياسية والإدارية، ومن جانب تمنع الأغلبية البرلمانية المبطلة بحكم المحكمة الدستورية خروجه من تحت ضلعها، وتريد هذا الزحم وقوداً لخطاب بعض أعضائها الطائفي والاستفزازي وأسلوب البعض الآخر الذي بات مكروهاً من أجل العودة إلى كراسي البرلمان لا أكثر.وعندما أراد هذا الحراك الشبابي الاستنجاد بالقوى السياسية فإذا هذا الضلع الثالث من مثلث الموت يغلق أمامهم، وهذه المرة تحت ذريعة أن التحرك لتشكيل جبهة وطنية جديدة خطوة متعجلة! ونعرف جيداً أن بعض التيارات السياسية لها مصالح خاصة مع الحكومة منها ما يبرم في السر ومنها المعلن، ونعلم أن بعضها قد عفا عليه الزمن ومنها من يتاجر بالدين والوطنية، وجميعها قد تشعر بالحسد لأن البساط بدأ يسحب من تحت تاريخها، ولكن أن يحبطوا تحرك الشباب خصوصاً في هذا التوقيت وتحت عذر أن العمل الوطني وتحركه الميداني يحتاجان إلى تأنٍ، وأن الشباب متعجلون فهذه كارثة، ومعنى ذلك أن هذه الجماعات إما "غرقانين في العسل" وإما أنهم ما زالوا نياماً!ولهؤلاء الشباب والشابات نقول واصلوا بهذه الروح الصادقة، ولا يحبطنكم التآمر ولا التخاذل، وتمسكوا بالحق وإن كان مكلفاً، فالحق لن يترك لكم من صديق كما قال الإمام علي بن أبي طالب (ع).