عن ملتقى النهضة مجدداً
بعدما حاول بعض الإخوة منع انعقاد "ملتقى النهضة" في دورته الثالثة في أحد الفنادق، فضغطوا على وزارة الداخلية للقيام بذلك، وللأسف استجابت بالفعل وبلا سند قانوني، انتقل الملتقى إلى جمعية الخريجين، ومع هذا الانتقال، تحول الملتقى إلى عنوان آخر هو ملتقى المجتمع المدني، وصار مؤتمرا مفتوحا لكل الجمهور، بعدما كان مقصورا على عدد محدود من المسجلين لحضور أنشطته. تحول الملتقى، وبعدما كان نشاطا فكريا ثقافيا صرفا، إلى تظاهرة ومواجهة سياسية أخرى، ولكنني، وعلى أي حال، لست في وارد توجيه أصابع اللوم لأحد، ناهيك عن اتهام أي كان بأي شيء، فهذا قد أصبح مما لا فائدة منه. وللتوضيح، بعدما كثر السؤال عن هذا، فأنا لست من منظمي ملتقى النهضة، بالإضافة إلى أني لست في البلاد حاليا وغائب منذ مدة ليست بالقصيرة، فلم أحضره، لكن كان وقوفي مع حقه في الانعقاد نابعاً من موقف مبدئي، هو حرية التعبير وهي الحرية المقرة في بلدي الدستوري، والذي أفهم أنه قام منذ خمسين عاما على سلطات منفصلة وبرلمان منتخب ومؤسسات، لا على قرارات مركزية أو اجتهادات فردية، وأن بيئة كهذه لا يصلح أن تواجه فيها الفكرة إلا بالفكرة، ولا الكلمة إلا بالكلمة، وذلك في ضوابط وأطر كفلها الدستور ويضبطها القانون. وللحقيقة سأقول، بأني أقدر منطلق الرافضين للملتقى من باب الغيرة الدينية، وأتفهم ذلك، لكنني أختلف معهم ولي وجهة نظر مغايرة. وبما أن الأمر برمته قائم على جهد بشري يعتمد على الاجتهاد الشخصي، فالواجب أن يحترموا هم أيضا هذا الاختلاف في الرؤى. لكنه مؤلم حقا، أن تصل الحال ببعض هؤلاء إلى وصم منظمي الملتقى وداعمي فكرته بالخروج على الدين والنفاق وعدم الغيرة على الأعراض وأن مصيرهم جهنم، كما حصل معي شخصيا، في بعض الحوارات التي جرت بسبب موقفي الذي أعلنته في مقالي السابق ومن خلال "تويتر"! شخصيا، لست من مؤيدي طروحات كثيرة سابقة لبعض المشاركين في هذا الملتقى، بل من معارضيها جدا، ولعلي لو كنت ممن شاركوا في التنظيم لأبديت تحفظي على واحد أو اثنين من الأسماء المشاركة، لكنني أؤمن في النهاية أن لهؤلاء الحق، كائنا من كانوا، أن يقولوا ما يودون قوله، ولمن يعارضهم الحق في الرد عليهم، وكل في النهاية سيتحمل وزر ما يقول، شرعيا وقانونيا. أما مسألة، أن لبعضهم طرحا سيئا أو إلحاديا سابقا، منشورا هنا أو هناك، فهذا لا علاقة له بما سيطرحونه في الملتقى، والملتقى كذلك لا علاقة له بهذه الطروحات السابقة، لأنه جاء اليوم تحت عنوان واضح ومحدد. وعلى سبيل المثال، ففي أغلب المؤتمرات المتخصصة، وهي التي تعقد في بلداننا وتتم رعايتها بشكل رسمي، يدعى إليها العلماء والمتخصصون من أقطاب العالم، فيأتيها أناس من كل ألوان البشر. ومنهم من يحمل في قناعته ألا رب، أو أن الرب هو الشمس أو أن الله ثالث ثلاثة، وغير ذلك، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، لكن ولأن هذه المؤتمرات لا شأن لها بعقائدهم، ولا تكترث إلا بعلمهم في مجالهم التخصصي، فهم يأتون ويذهبون بلا مشكلة. وملتقى النهضة جاء ليناقش فكرة كيف يمكن للمجتمع المدني أن يقوم في بلداننا؟ وكيف يمكن في ظله أن يتعايش كل المواطنين على مختلف أيديولوجياتهم وأفكارهم وعقائدهم، فجلب نماذج من المحاضرين المتخصصين في هذا الصدد. ولعلي لا أكشف سرا أن أغلب المسجلين للحضور في ملتقى النهضة في العادة هم من المنتمين إلى التيار الإسلامي أو القريبين منه، وهذا ما رأيته بنفسي في الدورة الثانية في الدوحة، حين شاركت بمحاضرتي هناك. ومثل هذه الفكرة الجامعة لا تحتمل مطلقا أن يقصر محاضرو الملتقى على توجه فكري واحد، لأنها ستنقض فكرته من أساسها. خلاصة القول، لم أكن أتمنى لهذا الملتقى أن يتحول إلى صراع سياسي جديد، وهو ما لعله أفقده كثيرا من قيمته الفكرية والثقافية، بعدما تحولت الجلسات من جلسات حوار ونقاش محدودة ومنضبطة، إلى محاضرات جماهيرية عامة لا مجال فيها للحوار المتعمق، وأنا واثق بأنه لو كان الملتقى قد ترك وشأنه لينعقد كما حصل في العامين السابقين، لمرت الأمور بهدوء وسلام، لكن لعل الله جعل في ما حصل خيرا كثيرا، فشهرة الملتقى الآن قد وصلت الآفاق، وهو مما سيجعله يلقى اهتماما ودعما أكبر في المرات القادمة. شكرا لجمعية الخريجين على احتضانها للملتقى، وشكرا للمنظمين على صمودهم وصبرهم على كل ما نالوه من تهجم وتجريح وتشكيك وصل إلى حد التكفير والتفسيق والنيل من الأعراض، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأسأل الله المغفرة لمن أساء لي شخصيا، من حيث يعلم ولا يعلم، على هامش هذه القضية، والحمد لله رب العالمين في الأول والآخر.