أسطورة نزاهة القضاء

نشر في 15-06-2012
آخر تحديث 15-06-2012 | 00:01
No Image Caption
 إيمان علي البداح لطالما أضحكتني تلك القدسية المتناهية التي نصبغها على السلطة القضائية وكأنها مشكّلة من مجموعة من الملائكة، ولكني أيضا أتفهّم رغبتنا وشغفنا بالحق المطلق أن يكون لنا ملاذ أخير موضوعي وعادل ومستقل وخالٍ من شوائب الفساد والأهواء.

لكن في الواقع لا يوجد حقّ مطلق ولا يوجد ضمان أكيد للنزاهة أو الاستقامة، فالقاضي في النهاية إنسان له نقاط ضعفه وله ميوله الفكرية والتزاماته العقائدية والسياسية... وهذا واقع في كل بلاد العالم والكويت ليست استثناءً.

وجُل ما تفعله الدول المتقدمة هو وضع النظم والأدوات التي تعزز استقلالية القضاء كسلطة، وتحمي القاضي من إغراءات وضغوط الحياة، وتعطي الفرد ومؤسسات المجتمع منافذ وأدوات بديلة في حال استغلال أحد القضاة لسلطاته أو تناقضت أحكامه مع دستور الدولة أو حقوق الإنسان.

وفي الكويت تحديداً المعضلة أكثر تعقيداً، فحتى القاضي العادل والنزيه مكبل بقوانين غير دستورية وإجراءات متخلفة وغير حضارية من جهات الضبط والتحقيق ممثلة في وزارة الداخلية، بل إن طبيعة تكوين الجهاز القضائي فتحت الباب على مصراعيه لتدخل السلطة التنفيذية وتحرش «التشريعية».

فلا يجوز لنا التشكيك في نزاهة القضاء إن كان القاضي حاكماً بقانون غير دستوري أصلاً، وهي الحال في كل الأحكام الجائرة في قضايا الرأي وحقوق الإنسان. كما لا يمكننا تحميل القضاء مسؤولية الفشل في حماية الحق إن كانت النيابة أو أمن الدولة قد حصلت على الأدلة بصور غير شرعية، ويجب ألا نستغرب إن «ضاع» القاضي في خضم التناقضات والتداخلات بين السلطات وأجهزة الدولة، التي يتطلب بعضها تعديلات في الدستور نفسه وليس فقط في القوانين والهياكل التنظيمية والإجراءات.

فكيف لنا في ظل كل هذا أن نقبل ببراءة من قام أمام أعين العالم كله باختطاف مواطن وضربه لتعبيره عن رأيه؟ فلو افترضنا مجازاً أن الوسمي قد قام بجريمة شنعاء بمخالفة الأوامر الأميرية فهل هذا يعطي «الداخلية» حق استخدام العنف في احتجازه؟ فقد سبق أن رفضنا العنف والتعذيب في التحقيق مع شبكة إرهابية... فما بالك بمواطن يمارس حقه الطبيعي في التعبير عن رأيه؟

بقراءتي المتواضعة لما نشر من الحكم الابتدائي في القضية أجد أن الحكم قد استغل كل التناقضات والفراغات القانونية والدستورية المتاحة ليؤكد براءة الجاني، وهذه ليست سابقة كما يود البعض أن يصورها، فكثير من الأحكام كانت قانونية، ولكن غير عادلة.

ولكن نأمل أن تكون هذه القضية الدافع لإصلاحات وضمانات دستورية وقانونية وهيكلية لمزيد من العدالة عملاً بروح الدستور والإعلان العالمي لحقوق الإنسان... فهل تنجح «الأغلبية» الناحبة في ذلك؟

back to top