حالما تثار قضية انتهاك حقوق إنسان عن هذه الدولة أو تلك يكون الرد مكرراً برفض التدخل في الشؤون الداخلية أو باعتباره انتهاكاً للسيادة الوطنية أو وهذا هو القول بالذات عندما يأتي الانتقاد من أميركا "من كان بيته من زجاج فلا يرمِ الناس بالحجارة" مع أنه صار لدينا زجاج ضد الرصاص، ولكن لابأس فأميركا لا تصلح بالأساس لتذكير أحد بانتهاكات حقوق الإنسان، وقد شاركت في عدة حملات دولية ضد أميركا بسبب انتهاكاتها الإنسانية، ولم يحدث أن استخدمت حجة السيادة الوطنية، التي تحتج بها بعض الدول، وأحياناً حتى فصائل سياسية، والملاحظ أن غالبية الدول التي تستخدم حجة السيادة هي دول  ديكتاتورية أو أقل ديمقراطية.

Ad

منذ تأسيس دولة السيادة وانتصارها على دولة     الإمبراطورية بعد معاهدات وستفاليا ١٦٤٨ ظل مفهوم السيادة مفهوماً مقدساً يصعب التعامل معه بمنطقية، فما هي حدود السيادة هنا؟ وهل يجوز لجهات دولية أو دول أخرى أو منظمات دولية غير حكومية التعامل مع حالات انتهاكات لحقوق الإنسان في بلد آخر؟ وهل يعد ذلك التعامل، أو التدخل إن شئت، كسراً للسيادة؟

لم يكن الأمر مطروحاً للنقاش قبل الحربين العالميتين بالأساس، بل كان العنصر الحاسم في العلاقات الدولية هو القوة المجردة، والهيمنة العسكرية، والدبلوماسية المباشرة، ولكن مستوى القتل والتدمير والإبادة الجماعية التي شهدتها الحرب العالمية الثانية أرغم المجتمع الدولي أن يضع مسألة حقوق الإنسان ضمن أولوياته، حتى لو كان ذلك على سبيل المجاملة السياسية أمام الرأي العام العالمي، فكانت محاكمات نورمبرغ وطوكيو محاولة لخلق قانون جنائي دولي وعدم  الإفلات من العقاب مع  أنها كانت عدالة المنتصر. لم يتردد الرئيس الأميركي روزفلت أن يطلق في اجتماع المنتصرين في دومبارتون أوكس بسان فرانسيسكو حرياته الأربع "حرية القول وحرية الاعتقاد والتحرر من الفقر والتحرر من الخوف"، كما انعكس ذلك على ميثاق  الأمم المتحدة فتضمن ذكر حقوق الإنسان في ٧ مواقع، الديباجة والمواد ١ و١٣ و٥٥ و٦٢ و٦٨ و٧٥ وهو حجم يعكس تأثير ما جرى في الحرب من مآس، على الرغم من انه لم يتم الاتفاق على معنى حقوق الإنسان. وبعد ٣ سنوات تقريباً أي في ديسمبر 1948 ظهر لنا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ففتح الباب على مصراعيه للحديث مجدداً عن انكشاف سيادة الدول للمنظومة الدولية في حالة قيام تلك الدول بانتهاك حقوق الإنسان داخل حدودها.

وللحديث بقية