الحكم في قضية د. عبيد الوسمي

Ad

أثار الحكم الصادر يوم الأربعاء الماضي من محكمة الجنايات ببراءة رجال الأمن من تهمة استعمال القسوة مع د. عبيد الوسمي والاعتداء عليه بالضرب أثناء وجوده في ندوة "إلا الدستور" يوم 8 ديسمبر سنة 2010، ردود فعل عنيفة لدى المتهم ولدى لفيف من زملائه النواب المحترمين.

القضاة يطبقون القانون ولا يصنعونه

وقد كنت متوقعاً أن يصدر الحكم في هذه القضية ببراءة المتهمين، لأن القضاة يطبقون القانون الذي أقرته السلطة التشريعية، ولا يصنعون القانون الذي يطبقونه، على عكس المحاكمات السياسية التي يجريها مجلس الأمة والتي لا يتقيد فيها نواب "الأمة" بأوامر الدستور ونواهيه أو زواجل القانون ودواعيه بل يصنعون القانون الذي يطبقونه.

وقد طبقت المحكمة، التي أصدرت الحكم ببراءة رجال الأمن الذين اتهموا بالاعتداء بالضرب على د. عبيد الوسمي، قانون الجزاء الذي يقرر عدم مسؤولية المتهمين إذا كان ما اقترفوه من أفعال، قد ارتكبوها تنفيذاً لأمر تجب عليهم طاعته.

توقعت هذا الحكم في مقال نشر لي على هذه الصفحة في "الجريدة" في عددها الصادر يوم 3 يناير 2011 تحت عنوان "الاستجواب والمنعطف الدستوري الخطير" عندما قلت في هذا المقال وبالحرف الواحد:

"إن مسؤولية رجال الأمن الذين وقعت منهم تجاوزات يوم 8 ديسمبر 2010 تحكمها نصوص قانونية تقرر عدم مسؤولية الموظف العام إذا ارتكب فعلاً تنفيذاً لأمر يعتقد أن القانون يوجب عليه طاعته إعمالأ لأحكام المادة (37) من قانون الجزاء والمادة (237) من القانون المدني". وقد قال صاحب السمو أمير البلاد حسبما طالعتنا الصحف (وقتئذ) "أنا القائد الأعلى للقوات المسلحة، وأنا الذي أمرت بمنع التجمعات العامة، وأنا المسؤول وأنا من أعطى الأوامر، لأن هيبة الدولة في مصلحة الجميع".

وقلت في هذا السياق إن الأمير رئيس الدولة وذاته مصونة لا تمس، وقد أجمع كل من تداول الأمر من نواب ومن شخصيات عامة لها وزنها على أن طاعة الأمير واجبة.

وقد أسس الحكم المذكور قضاءه ببراءة المتهمين على الأسباب ذاتها التي استندت إليها في مقالي سالف الذكر.

براءة المتهمين بقتل الزعيم الفلبيني أكينو

ولقد ذكرتني الحملة العنيفة على هذا الحكم الصادر بمظاهرة كبيرة قام بها المحامون في الفلبين وهم يرتدون أرواب المحاماة، احتجاجاً على الحكم الصادر ببراءة المتهمين في قضية مقتل الزعيم الفلبيني بنينو أكينو الذي اغتيل في أغسطس 1983، حيث مزق المحامون شهاداتهم.

لا قداسة لأحكام القضاء

ولست مع من يخلعون على الأحكام القضائية قداسة ليست لها، وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ» .

لذلك، فإن نقد الأحكام القضائية هو أمر وارد وجائز، شريطة أن يكون نقداً علمياً وموضوعياً، ولعله يغيب عن البعض أن الحق في نقد الأحكام القضائية أنما يُستمد من المبادئ الديمقراطية التي تقوم على الشفافية، والتي يقوم عليها نظام الحكم في الكويت، ومن مبدأ علانية الجلسات، الذي نصت عليه المادة (165) من الدستور، لأنه لا معنى لهذه العلنية، إذا لم تكن الأحكام القضائية خاضعة لرقابة الرأي العام.

ولكن لنقد الأحكام القضائية قواعد وضوابط وحدوداً يجب أن يلتزم بها كل من يتصدى لنقدها، وهي القواعد والضوابط والحدود التي خرج عليها نقد بعض النواب لهذا الحكم القضائي.

وأعود إلى الحكم الصادر ببراءة المتهمين من هذه التجاوزات لأقرر بأن الحكم القضائي قد صادف صحيح حكم القانون، وأن القضاة يطبقون القانون ولا يصنعونه، وأن القضاء الكويتي يظل بخير بريئاً من كل ما وجه ليه من اتهامات.

وقديماً قيل نصف الناس أعداء القاضي إن عدل.