يسود اعتقاد، يلامس حدود القناعة، ليس على مستوى الإنسان العادي فحسب، بل على مستوى مَن هم في مواقع المسؤولية أيضاً، بأن المماطلة المستمرة منذ نحو عام ونصف في حسم الوضع السوري مقصودة ومخطط لها، وأن الهدف هو ترك سورية لتأكل نفسها، ولتتمزق شرَّ ممزق، ولتتحول إلى أفغانستان ثانية، وإلى عراق آخر، حيث التذابح الطائفي بقي مستمراً بوجود الأميركيين وبعد رحيلهم وإلى الآن. كان المفترض، بعدما بدأ النظام يُحَوِّلُ مواجهته لشعبه إلى سياسة الأرض المحروقة والمذابح الجماعية وإلى كل هذا التهجير الداخلي والخارجي، الذي من المتوقع، إذا استمرت الأمور على هذا النحو، أن يتحول إلى أرقام فلكية، أنْ يكون هناك تدخل دولي عاجل لمنع الأمور من الوصول إلى ما وصلت إليه، ومالم تتم إزاحة بشار الأسد بالقوة العسكرية فإن مصير سورية سيكون التشظي والانقسام، وسيكون مصير الجيش السوري التحول إلى ميليشيات طائفية متناحرة. ليس سهلاً أن يقبل أيُّ عربي بتدخلٍ عسكري وغير عسكري في شؤون دولة عربية، لكن ما هو العمل يا ترى عندما تكون الجامعة العربية عاجزة عن فعل أيِّ شيء، وعندما يصل التدخل الإيراني في هذا البلد إلى ذروته، وكذلك التدخل الروسي، وعندما يلوذ العرب بكل هذا الاستنكاف المزري والمخجل، وعندما يستغل نظام بشار الأسد كل هذا، ويحول مواجهته لشعبه إلى هذه الحرب المدمرة التي لم يبقَ أي سلاح لم يستخدمه فيها؛ من الطائرات الحربية إلى قاذفات "السوخوي" وإلى الصواريخ بكل أنواعها، إضافة إلى كل صنوف المدافع الثقيلة...؟! إن من غير الممكن تبرير هذا الموقف الدولي المخزي، وهذا الموقف العربي المعيب إلا بأن وراء ترك الأمور في سورية لتصل إلى الحرب الطائفية وإلى الانقسام والتشظي مؤامرة... نعم مؤامرة إسرائيلية متورطة فيها بعض الدول الغربية وبعض دول هذه المنطقة، فالإسرائيليون كما هو واضح وبحجة أنهم لا يعرفون مَن سيكون بديل بشار الأسد هم أصحاب أهزوجة: "لا للتدخل العسكري الخارجي في الشؤون السورية حتى وإن جاء تحت رايات الأمم المتحدة"، وكل هذا بينما الهدف الحقيقي هو ترك هذا البلد ليأكل بعضه بعضاً، وليستنزف نفسه بنفسه، وليتشظى وينقسم ويتحول إلى كيانات مذهبية وفقاً لنظرية "الكومونولث" الطائفي، التي كان طرحها موشيه شاريت حتى قبل قيام الدولة الإسرائيلية عام 1948. كيف لا للتدخل العسكري الخارجي والمفترض أن إحدى مهام الأمم المتحدة هي هذه المهمة عندما تدخل إحدى دول العالم في دائرة العنف والاقتتال الداخلي والحرب الأهلية المدمرة...؟! وكيف لا للتدخل العسكري الخارجي تحت بيارق المجتمع الدولي في حين لو أن العالم لم يتدخل بالقوة العسكرية في مشكلة البلقان لاستمرت المآسي والمذابح الجماعية وعمليات التطهير العرقي والديني ربما حتى الآن...؟! ثم كيف لا للتدخل العسكري الخارجي، ولو أن حلف الأطلسي، بمشاركة بعض الدول العربية التي لا علاقة لها به، لم يتدخل في ليبيا بالصورة المعروفة لكان معمر القذافي لايزال يتربع على كرسيِّ أسوأ حكم عرفه التاريخ في محمية "العزيزية" في طرابلس، ولكانت بنغازي الآن أثراً بعد عين، ولأصبح ثلث الشعب الليبي تحت الأرض ومن سكان المقابر...؟! ثم كيف لا للتدخل العسكري بينما يتعرض الشعب السوري لحرب إبادة جماعية تُستخدم فيها كل أنواع الأسلحة وقد تُستخدم فيها حتى الأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً...؟!
Ad