بعد ما يقارب الـ22 ساعة انقضت ما بين طيران وانتظار وانتقال بين أربعة مطارات مختلفة, وصلت إلى الكويت أخيرا لأقضي فيها شهراً قبل أن أعاود دراساتي العليا هناك مجددا, وفي أول لقاء على طاولة المقهى الشهيرة التي اعتدت قضاء الوقت فيها بصحبة الأصدقاء, سألني أكثرهم تحمسا لفكرة الهجرة وأكثرهم سأما من الوضع الحالي في الكويت خصوصا من ناحية الحريات العامة وطريقة عيش الشعب: ما الفرق الذي أحسسته هناك عن الكويت؟

Ad

سؤال بسيط في طرحه، قليلة كلماته لكن إجابته قد تستغرق مقالات عدة, فهناك في بلاد الكفرة والزنادقة ترى في جامعاتهم الطلاب والطالبات يرتدون ما يريدون من غريب الألوان وقصير الثياب، ولا يأبهون لهالة "البرستيج" التي يكونها الطلبة لأنفسهم في جامعة الكويت, لكن داخل الصفوف ترى أحدث طرق التدريس وتوزيع الدرجات الأكثر عدلا والتصنيف العالمي المرتفع، فلدينا هنا القشور ولديهم هناك اللبّ.

هناك عند دخولك إلى أي "سوبر ماركت" أو محل يبادرك الذي يعمل بالسؤال عن حالك ويومك بابتسامة بغض النظر عن جنسك وأصلك ولونك، ويشكرك حين الدفع والخروج, الجميع يعتذر عند الاصطدام ويبتسمون عند النظرات، فهي لحظات وقد لا يرى أحدهم الآخر مجددا.

ونحن هنا نظهر كل عنجهية الدنيا وغضب الجبابرة ونعقد "النونة" لنطلب مشروبا غازيا من راعي البقالة لنرمي المال رمياً, ونطير بسياراتنا الفارهة بأسرع ما نستطيع دون ابتسامة أو شكر, ويا لها من مصيبة في حال اصطدم أو كاد يصطدم وافد بنا في ممر جمعية تعاونية ونحن المخطئون... كان الله في عونه المسكين.

هناك تتشكل الطوابير لا إراديا بصنع التربية في أي مكان وعند أي ازدحام, حتى يخيل للمرء أن الموضوع وراثي وتتدخل فيه الجينات, وإن اخترق أحدهم الطابور وشوه ترتيبه فغالبا ما يكون عربيا, أما لدينا فالطابور بدعة, وكل بدعة ضلالة، وهو ضعف وجبن وقلة حيلة وعدم دراية بكيفية سير الأمور، والالتفاف حوله "شطارة" وقصة تروى للأصدقاء تنتهي بنظرات الإعجاب و" كفو كفو".

كيف لأمة لا تحترم أحدا، والابتسام عندها قلة حياء و"هبل"، والالتزام بالطابور بالنسبة إليها تعذيب أن تتطور وترتقي؟ أرى أن الحديث عن التصويت للأكفأ دون عنصرية، التخضير، المترو, مدينة الحرير, مركز مالي وتجاري ونفطي, تطور رياضي واقتصادي. هي أمور كلها بعيدة عن "شواربنا" و"لحاهم"، ما دمنا إلى الآن لا نعرف كيف نقف بالطابور فارحمونا يرحمكم الله.