في الستينيات غنى عوض الدوخي وغنى الكويتيون معه بنشوة "وسط القلوب يا كويتنا وسطر الدستور كفاحنا بمجلس الأمة أملنا"، وفي منتصف السبعينيات في أوج مراحل النهضة والرخاء تغنينا بـ"هذه الكويت صل على النبي"، وخلال الثمانينيات عندما عايشنا مرحلة التفجيرات الإرهابية كان شادي الخليج يلهب فينا مشاعر الحماس والتحدي بـ"كلما زادت المحن حولها أو قسى الزمن أصبح الناس كلهم كلمة في فم الوطن".

Ad

وردّدنا بعد اختطاف الجابرية "أنا كويتي أنا... أنا قول وفعل وعزومي قوية"... إلى أن جاء الغزو الغاشم فتفطرت قلوبنا وذرفت أدمعنا مع كل جملة أو نغم يذكر به اسم الكويت، ورغم ذلك لم يتسلل اليأس إلينا إلى أن منّ الله علينا بنعمة التحرير وشدونا بصوت واحد "وطني وطن النهار أنت النهار يا وطني".

وخلال فترة التسعينيات بتنا نترقب الانطلاقة من جديد وتأخرت تلك الانطلاقة، فأصبحنا نمني النفس بأنها ستكون بعد سقوط الطاغية جار الشمال وعيون أطفالنا حينها تنظر إلى مستقبل واعد وتشدو ببراءتها "وطني حبيبي وطني الغالي".

وفجأة لا نعرف ماذا حدث رغم الاستقرار والأمن والأمان وفوائض الميزانية العامة للدولة وكل مقومات الانطلاقة والإنجاز، فإذا بصوت منهك ينادي "ياللي تحب الكويت لا تقطع الآمال"! كيف؟ ولماذا خشينا على آمالنا أن تتقطع؟ لماذا هذا الشعور ونحن يفترض بنا أننا بخير ونعمة؟

مفارقة... لكنه شعور حقيقي الكل يسأل ماذا جرى ولا إجابة، فأصبحنا ندور في دوامة صراع مفتعل وتوقفت التنمية، وتشرذم المجتمع فئوياً وقبلياً وطائفياً وساد الجدل ووصل بنا الحال إلى أن يصرخ العروج غناءً "بس ملينا سياسة"!

نعم "ملينا سياسة" ومللنا أن يكون همنا اليومي هو الشأن السياسي، لكننا في الوقت نفسه لم ولن نملّ الديمقراطيةَ ومكتسباتنا الشعبية، ولتصل الرسالة جيداً إلى كل ذي فهم خاطئ دون لبس... لا ولن نمل الدستورَ ومؤسساتنا الدستورية، وكما قال الدوخي منذ ٥٠ عاماً "مجلس الأمة أملنا"!

كان الأجدر بنا أن نقول "بس ملينا فساد"... نعم إنه الفساد الذي ضرب أطنابه في جميع مؤسسات الدولة وطمس كل ما هو جميل لأنه لولا الفساد لما أصبحت السياسة شغلنا الشاغل ومثار أحاديثنا اليومية، الفساد الذي لوّث الهواء والماء وقبله لوث الأنفس، الفساد الذي جعل الحرامي محترماً والمحترم منبوذاً، فساد الذمة وفساد الرأي... فكم من مسؤول حكومي لا يعرف "كوعه من بوعه"، متربع على منصبه ومتحكم في مصائر الأمور وكانت قراراته كارثية ووبالاً على البلاد... فـ"الداو" أصبحت داء و"الاستاد الدولي" أصبح متحفاً، والجامعة غدت حلماً صعب المنال، والمسجد آيل للسقوط... حتى "التواير" أصبحت مفاعلاً نووياً عجزوا عن تفكيكه!

نعم يالعروج فعلاً "ملينا سياسة"... ولو أني وددت أن توجه هذه الأغنية إلى المسؤولين الحكوميين مع استبدال حرف "السين" الأول في كلمة سياسة بحرف "التاء"!

وبما أن مقالتنا سياسية موسيقية... نختمها بمقولة "الموسيقار الكبير" شعبان عبدالرحيم... "بس خلاص"!