الكويت والربيع العربي *

نشر في 20-11-2012
آخر تحديث 20-11-2012 | 00:01
 طالب الرفاعي أحمل عروبتي في طلعتي ولون وجهي ونظرة عينيَّ ونطق كلماتي، أحملها في عروقي ونبض قلبي، وفي ولادتي ويومي وغدي، وأخيراً أحمل عروبتي في مستقبلٍ يختبئ خلف المنعطف، وأنتظره بشوق روحي، متأملاً أن يكون مشرقاً كما الشمس في بلادي.

هنا، في الولايات المتحدة الأميركية، حين يعرف البعض أنني عربي يسألني:

«من أي بلدٍ أنتَ؟».

وحين أردُّ بإجابتي:

«أنا من الكويت».

يطالعني السائل، ويسألني عن الكويت بلدي، فأقول:

«هي بلد صغيرة كالقلب، وكبيرة كالأمل، يحتضنها البحر، وتحيط بها الصحراء، وتعيش على حبها للحرية والديمقراطية والسلام. فمنذ وصل أهلها إلى موانئ إفريقيا، وعرفوا بسفنهم الشراعية ظلمات البحور التي تأخذهم إلى موانئ الهند، أدركوا أن الحياة تُعاش مع الآخر، وأن الآخر هو رجع الصوت، وأن القرب من الآخر هو قرب من الحياة، وأن لا شيء يجمع البشر مثلما يجمعهم السلام والمحبة».

لكن البعض هنا، في الولايات المتحدة الأميركية، حين يعرف أنني عربي، يسرع السؤال على لسانه ووجهه:

«ماذا عن الربيع العربي؟».

فأجيب: الربيع في كل الأرض، هو فصل تفتح الورود وانتشار العطور، وفصل اللون الأخضر رمز الحياة والأمل، ومؤكد أنه فصل الحب. فكيف يمكن لحب أن يكون دون تفتح ودون ورد وعطر وحياة وأمل؟ لكن الربيع العربي، في صرخته المدوية، كان فصل تفتح الحرية، فصل انتظرته الشعوب العربية منذ سنين طويلة. سنين عايشت فيها الجوع والقهر والظلم والوجع، واحتملت خلالها ما لا يمكن احتماله، فهي كما الجمل العربي تحتمل الكثير لكنها حين تغضب، فإن لغضبتها جنون مدمر، وهكذا كان الربيع العربي.

في «تونس» انطلقت الشرارة، فما تراه يمكن أن يدور في رأس إنسان حين يُقدم على حرق نفسه؟ أي يأس ووجع عاشه ذاك الإنسان كي تصبح الحياة بالنسبة له هي الموت، ويصبح الموت هو الحياة؟ وهل تراها رنّت تلك الجملة العجيبة: «أطلب الموت توهب لك الحياة»، في رأس الشاب التونسي «محمد البوعزيزي» لحظة أشعل النار في نفسه؟

لقد خرجت الشعوب العربية، كالورود في ربيعها، خرجت عارية الصدر، تردد أمام العالم:

«حرية حرية».

وتعلّم شعوب العالم درساً حين التهبت حناجرها بالصراخ:

«أرحل، أرحل».

باع شباب ورجال ونساء الشعوب العربية أعمارهم رخيصة مقابل الحصول على الحرية، ومقابل تذوق طعم الديمقراطية، ومقابل أن يعيشوا غداً يحمل الخير والعدالة والسلام لهم ولأطفالهم. وكان لسان حالهم يقول للعالم أجمع:

«ما قيمة الحياة دون حرية؟».

وكانت صورهم في تظاهراتهم وفي استشهادهم، تنقل للعالم معنى التضحية من أجل الحرية. نعم، يمكن للإنسان أن يعيش دون حرية، ولكنه يكون محبوساً في قفص الحياة البائسة. ومع الأيام يتحول من إنسان إلى كائن حي يعيش لا لشيء إلا للعيش.

هلَّ الربيع العربي مشتعلاً وعاصفاً ولم يكن الأخضر لونه، بل الدم الأحمر القاني البريء كان لونه الطاغي على كل الألوان. لكن، متى كانت الحرية تأتي دون ثمن؟ ومتى كانت الديمقراطية تنزل على بلدٍ من السماء؟ هو قانون الحياة: كل سلعة بثمنها، للسلعة الرخيصة ثمن تافه، وللسلع الغالية قيمة تعدلها، ولأن الحرية هي ألزم ما يلزم الإنسان في عيشه، فإن ثمنها هو عمره!

أحياناً تتدخل دول عظمى، كالولايات المتحدة الأميركية، بحجة زرع الديمقراطية في دولة أو أكثر، ويغيب عن ذهنها، أن الديمقراطية لا تُزرع إلا بيد أبناء البلد، ولا تغرس إلا بيد أبناء البلد، ولا تُحرس إلا بعيون وقلوب أبناء البلد، ومتى ما أينع ثمرها، فإن خيرها يعمّ الجميع، القريب والبعيد.

انطلقت شرارة الربيع العربي مع بداية عام 2011، وسرعان ما سرت النار في كل البلاد العربية، وحتى هذه اللحظة ما زالت شعوب عربية كثيرة تكافح لنيل حريتها، وتقدم التضحيات العظيمة لمعانقة الديمقراطية والعيش الكريم الذي تحلم به.

جئت إليكم من بلاد صغيرة، لها جذرها في تربة التاريخ، جئت إليكم من الكويت، التي تأسست عام 1613، وكانت منذ يوم ميلادها تعيش بحرية وديمقراطية ودستور عادل، وهذا وحده يعطيها حضوراً مختلفاً على خارطة الوطن العربي، ويجعلني أشعر بالفخر والاعتزاز وأنا أقول أنا عربي، أنا كويتي.

* قُدمت هذه المقالة ممسرحة، في نيويورك، ضمن برنامج «الكتابة الإبداعية العالمي»، الذي تنظمه جامعة «أيوا»، يوم الأحد الموافق 11 نوفمبر الجاري.

back to top