هنا لندن، ومن يقرر أن يصوم في لندن فسيشعر أن الأيام هنا هي الأطول في السنة، ومن يطالع أخبار العالم العربي في الصحف اللندنية أيضا فسيشعر أن فصل الربيع "العربي" هو الأطول بين الفصول كلها.  الربيع العربي ابتدأ بانطلاق الانتفاضات من الشارع وميادين العاصمة التي أشعلتها البطالة "بطالة المتعلمين", وغياب العدالة الاقتصادية, واستهدفت تغيير النظم العسكرية البالية التي ورثتها بعض الدول عقب الحرب العالمية الثانية إلى نظم مدنية حديثة, وأخذت هذه الانتفاضات تتداول الممنوعات "سابقا" من المصطلحات السياسية كالانتخابات الحرة النزيهة البعيدة عن تدخل الدولة. واليوم تدخل دول الربيع أو بالأحرى الشمال الإفريقي واليمن، وسورية لاحقا، مرحلة البناء التشريعي، وتبحث عن النموذج التوافقي الذي ينال رضا الشعب والحكومة، فدعونا نتابع بشكل سريع ما يجري في ثلاث دول:  أولا- ليبيا: فضل الليبيون وضع خريطة جديدة للبرلمان على طريقة لا غالب ولا مغلوب، الأمر الذي لم يدع أي حزب سياسي للتأهل أو الهيمنة على البرلمان الجديد تحت مظلة أول انتخابات تشهدها ليبيا منذ ستة عقود، وبدأت حرب الاستقطابات بين مختلف الأحزاب الليبية لجذب المرشحين المستقلين لضمان أغلبية البرلمان الجديد، فتحالف القوى الوطنية يترأسه د. محمود جبريل رئيس أول حكومة انتقالية للثوار خلال الانتفاضة الشعبية ضد القذافي، وحصل تحالفه على 39 مقعداً من بين 80 مقعداً مخصصة للأحزاب والتكتلات السياسية، أما حزب العدالة والبناء- الإخوان المسلمين- فحصل على 17 مقعداً فقط، وتستمر المنافسة بين الليبراليين والإسلاميين على الأغلبية التي تبقت من المقاعد، وتستمر أيضا فترة الطعون القضائية حتى تعلن النتائج النهائية، وتستكمل مرحلة انتقال السلطة من المجلس الانتقالي إلى المؤتمر الوطني العام، وتتعارض النتائج الليبية مع نتائج تم تحقيقها في دول أخرى من دول الربيع العربي، البعض اعتبر النتائج هزيمة للإخوان، والبعض الآخر اعتبرها نجاحاً للأحزاب بالتشكيلة الجديدة. ثانيا- تونس: الرئيس التونسي المنصف المرزوقي أعلن مؤخرا لصحيفة الشرق الأوسط، أن أخطاء الإسلاميين في مصر وتونس دفعت ليبيا إلى انتخاب الليبراليين بقيادة تحالف جبريل، وتشهد مرحلة إقرار قانون الأحزاب باتجاه الأنظار نحو المستقلين لاستمالتهم أيضا للانضمام إلى حزب الأغلبية ليوازي الأغلبية الحالية. ثالثا- المغرب: يشهد استمرار الخلافات بين الأحزاب بعد اختيار أمين عام جديد لحزب الاستقلال المغربي، وفشل مساعي لجنة تشكلت للتوصل إلى "مرشح توافقي" ليتولى منصب الأمين العام, وما يربط تجربة الأحزاب في دول الربيع العربي هو اتجاه الأنظار إلى المستقلين لترجيح الكفة. المغرب يشهد فشلاً لما يعتبر أعرق الأحزاب المغربية، ومطالبات بكسر احتكار المرشحين لبعض المناطق بالأحزاب العمالية، وإعطاء فرصة لسكان المناطق الصحراوية، وتمكينهم من العمل السياسي والمشاركة الفعالة. مما سبق أخي القارئ نلاحظ العوامل المشتركة، والمتناقضة،   المصاحبة للتغييرات التشريعية والانتخابية في الشمال الإفريقي، وهي الرغبة في تنظيم العمل السياسي، ومنها تشكيل الأحزاب من جهة، واستمالة المستقلين من جهة أخرى، لإنجاح العملية الديمقراطية, والبحث عن النخبة للقيادة التشريعية، وفي الوقت ذاته تمكين أهالي المناطق الصحراوية من المشاركة السياسية. وتستمر الحاجة إلى تجديد عملية الإدارة السياسية، ويستمر البحث عن المرشح التواقفي الذي سيحقق المحصلة الإيجابية للمعادلة!! وللحديث بقية.
Ad