نحن أبناء جيل الستينيات من القرن الماضي محظوظون، فقد عشنا مرحلة الوسط الانتقالية بين كويت الماضي وكويت الدولة الحديثة، عاصرنا نجاحات وإنجازات الكويت الفنية والرياضية ونهضتها بشكل عام، ورأينا جيل الآباء المؤسسين وعاصرناهم، وشاهدنا كيف كانوا جديين في مشروع الدولة واحترام كل رموزها.
كانت الوظيفة قيمة عظيمة تحترم عندهم رغم تواضع معظم المهن التي كان يقوم بها الكويتيون في تلك الحقبة، ولكننا نرى اليوم تبدل السلوكيات وضياع "مشروع الدولة" لحساب مشاريع ذاتية وفئوية، بالإضافة إلى حالة إحباط من إمكانية استغلال الفوائض المتراكمة منذ عام 1999 بشكل ملائم ومفيد، وهو ما يبدو أنه جعل غالبية الكويتيين يقررون أن يقتسموا ثروة البلد بكل السبل المشروعة منها، وحتى غير المشروعة.في حقبة الستينيات وتقريباً حتى نهايات السبعينيات من القرن الماضي الجميلة كان آباؤنا يقدمون لنا القدوة في الالتزام تجاه أعمالهم، ولم يبخسوا الوظيفة حقوقها، وكان الأجر الذي يحصلون عليه مستحقاً مقابل عملهم الجدي، ولم يشاركوا في اعتصامات وإضرابات إلا لقضايا محدودة تتعلق بتأمين دفع الرواتب بشكل منتظم وتأمين مرحلة التقاعد، ورغم ما نراه حالياً من تسيب وضعف أداء معظم أجهزة الدولة الإدارية، وتدني نسب الإنتاج فإننا مع حق المطالب الحقة للتنظيمات النقابية، ومحاولاتهم الحفاظ على المستوى المعيشي للموظفين في ظل فوضى تسعير المواد والخدمات الأساسية وغياب دور الدولة في هذا المجال.ولكن يجب أن تكون تلك المطالب في ظل نظم تحقق العدالة بعد أن أصبحت مطالب بعض النقابات وأصحاب بعض المهن غير معقولة وشديدة المبالغة والجشع، ونحن هنا لا نحسد أو ننتقص من حق أحد، ولكن مطالبة الفئات ذات التأهيل البسيط أو التي تجاوزت رواتب أفرادها الثلاثة آلاف دينار من المهن غير النادرة بالمزيد من الزيادات، فإن في هذا الأمر مبالغة شديدة وتجنّياً على حقوق الدولة وحتى المواطنة، لاسيما إذا كانت في جهات ومؤسسات ذات إنتاجية ضعيفة أو خسائر تستلزم دعم الحكومة المالي لها.بالتأكيد إن الوضع الحالي للإضرابات والتسيب في إدارة مرافق الدولة الحيوية خطير ويستوجب حلولاً جذرية بعد الحلول الترقيعية التي سادت خلال السنوات العشر الأخيرة، ومن بينها بدعة الكوادر الحكومية في تسعينيات القرن الماضي، أو الحلول التعسفية لبعض القوى الاقتصادية التي تطالب بعدم الاستجابة لأي مطالب عمالية مهما كانت الظروف المعيشية في البلد. الحل المطلوب يجب أن يكون علمياً ودائماً وعادلاً، وهناك مقترح أن يستمر كل من حصل على مكسب وظيفي بالحصول عليه، على أن يتم استحداث نظام جديد وشامل للوظيفة الحكومية تحت ما يسمى بـ"عقد التوظيف الحكومي" الملزم الذي يجب أن يكون نتيجة دراسة شاملة للتوصيف الوظيفي ومقياساً لإنتاجية كل وظيفة ضمن نظام نقاط يقابلها مقابل مادي ومكافآت مالية تتدرج مع الترقيات واستكمال التأهيل والمهارات أثناء الخدمة، يعقبها تحديد بداية عام 2014 على سبيل المثال لإلغاء بدعة جميع الكوادر المعمول بها حالياً للموظفين الجدد، على أن تحسب النقاط وفقاً لتأهيل الموظف وموقع العمل وأهميته وندرته وحاجة البلد إليه ونسبة حضور وغياب الموظف، وهنا يمكن أن يتساوى راتب الإداري العادي في القطاع النفطي مع زميله في وزارات الدولة، بينما يحصل على أضعاف ذلك زميله الذي يقوم بأعمال إدارية في موقع لحفر الآبار النفطية على سبيل المثال.وهكذا لفني الأشعة والممرض في المستشفى مقابل الإداري الذي يقوم بأعمال مكتبية في مجمع الوزارات، وتحديد نقاط ذهبية لمهن محددة مثل الجراحين، ومن في حكمهم والوظائف النادرة...، وعندما تقرر الدولة أن تضع نظاماً متكاملاً وعادلاً للوظيفة العامة يمكننا أن نتجاوز وننهي حالة الفوضى المستشرية في البلد، والتي للأسف استخدمها في المرحلة السابقة بعض السياسيين لخدمة معاركهم السياسية، واليوم خرجت عن سيطرتهم وتضرب استقرار البلد وتخرب مصالحه بشكل خطير، ويحاول اليوم بعض النواب التبرؤ منها.
أخر كلام
2014 عام إلغاء بدعة الكوادر!
22-03-2012