"من السخف مهاجمة البدون بقنابل مسيلة للدموع، هم معتادون على الدمع، أنصح بمهاجمتهم بقنابل فرح، فهم محرومون منه"، كان ذلك "تويت" (تغريدة) لمحمد جار الله السهلي، برأيي إنها أجمل تغريدة "حزينة" لوصف حال كرب البدون المستوطن بهم، لكن د. حاكم المطيري يخترق واقعنا الاجتماعي المخجل مقرراً بـ"تويتر" أن "طغيان المجتمع ضد فئة ما أشد خطراً من طغيان السلطة"، وهذا هو جوهر الفاشية التي يمارسها المجتمع أو أغلبية الناس غير المكترثين لحال البدون، فالسلطة الحاكمة لم تكن طاغية لولا طغيان أكثرية أهل الجناسي، حين نبذوا البدون وسخفوا من كراماتهم وإنسانيتهم، ورفعوا شعارات استبطنت في اللاوعيهم الجمعي، مثل "خلهم يطلعون جناسيهم وجوازاتهم الأصلية... وإذا مو عاجبتكم الديرة شوفوا لكم ديرة ثانية...".

Ad

أمس الأول خرج أصحاب الدموع في ساحة تيماء في تجمع سلمي، بمناسبة يوم اللاعنف العالمي، فتصدت لهم السلطة بالقنابل المسيلة للدموع والهراوات، ولاحقتهم في سكك البؤس بتيماء، وصادرت حريات بعضهم وأودعتهم فنادق أمن الدولة ومخافر الخمس نجوم المظلمة. ولا يمكن وصف رد فعل نواب الضمير إلا بأنه أقل من المتواضع، فالبدون ليسوا قضية بشر محرومين من الحد الأدنى لوجودهم الإنساني، وإنما هم "قضية" جانبية من قضايا الدولة نطالب بحلها...!

الصليب النازي المعقوف، الذي رفع في تجمع مأساة تيماء، لم يكن تبنياً لشعار النازية من أصحاب الدموع، وإنما قصد به الممارسة المتغطرسة المتعالية التي لا تختلف كثيراً في مضمونها عن نازية الرفض للآخرين وعلى غير الأريين الكويتيين، وإذا فرضت النازية على اليهود في ألمانيا والدول التي استحلتها في بداية شهور اضطهادهم أن يضعوا بطاقات معلقة على جاكيتاتهم تبين هويتهم "المختلفة" عرقياً في الأماكن العامة حتى يسهل بالتالي ركلهم منها، فهنا، تم اقتباس الفكرة عبر لجنة البدون، وفرض على بدون الكويت حمل بطاقات من اللون الأزرق أو الأصفر، وهم من لهم أمل الانتماء للوطن والدخول حسب مواصفات اللجنة المركزية لأوضاع المقيمين بصورة غير مشروعة (لدينا لجنة مركزية وسجن مركزي ولله الكمال)، أما البطاقة ذات اللون الأحمر، فليس لأصحابها غير الدمع الأحمر يذرفونه مع دمائهم...

الزميلان غانم النجار وأحمد الديين في مقالين مهمين نبها إلى أن واقع البدون لم يعد مسألة تخص الكويت فقط، فالمنظمات الإنسانية التي كرست نفسها لحقوق الإنسان تبنت بشرف قضيتهم، وبالتالي وفي يوم ما، وإن شاء الله قريب، ستكبر قضيهم، ولعل دول "المعازيب"، التي تحيا الديرة تحت ظلال رماحها الحامية، ستمارس الضغط على الدولة وأهلها لتصل رسالة واضحة بأن عهود النازية والفاشية ولت إلى غير رجعة، وأن أيدي البدون ستلامس بيوم قريب زهور الربيع العربي.

سئمت اختزال الهم الكويتي في الحروب الكلامية ما بين مناورات السلطة لتدجين الممارسة النيابية وردود فعل ربعنا عليها بدعوات الإصلاح السياسي، الذي لا يشمل قضية الحق بالمواطنة كي يكون من اختصاص السلطة القضائية، فمسألة منح الجنسية رخصة لمن يعرف كيف يطرق الدرب "الصحيح" في تيه مسالك البيروقراطية الكبيرة في الدولة المتسلطة. منح الجنسية وسحبها وإسقاطها هو حكر أصيل للسلطة التنفيذية، وهي الخصم والحكم من غير معقب أو رقابة لاحقة، وهو عمل من أعمال السيادة، أي سيادة احتكار دولة الرعاية على الرعية الكويتية، أما البدون فليس لهم غير تخوم صحارينا الجرداء كي يرعوا بها، وليس بالفلاة الحارقة ظل ولا زرع ولا ماء... فليموتوا عطشاً وجوعاً، ولتتقطع أحذيتهم ونعلهم في الهرولة بين دهاليز الدولة البيروقراطية المستبدة باحثين عن "شهادة ميلاد... عن طلب للعلاج... عن طلب للعمل... عن طلب للدراسة..." فقط "سيادتنا" كريمة وحاتمية بمنح شهادات الوفاة وتراخيص الدفن، فليسكب البدون الدموع الساخنة، ليس على مأساتهم فقط، وإنما على مأساة وطن الأنانية والنرجسية المتعالي على الخواء.