تقليص عجز الوظائف في أميركا

نشر في 19-10-2012
آخر تحديث 19-10-2012 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت إن آخر المعلومات الصادرة عن التوظيف في الولايات المتحدة الأميركية تؤكد أن الاقتصاد الأميركي مستمر في استعادة عافيته من الركود العظيم لسنة 2008-2009 وبالرغم من التباطؤ الذي يخيم على دول مجموعة العشرين العظام الأخرى. إن رتم نمو الوظائف في القطاع الخاص كان في واقع الأمر أكثر قوة خلال فترة الانتعاش هذه مقارنة بفترة الانتعاش التي تلت ركود سنة 2001 وهي تشبه فترة الانتعاش التي تلت الركود الحاصل في سنة 1990-1991.

لقد زاد التوظيف في القطاع الخاص خلال الإحدى والثلاثين سنة الماضية بمقدار 5.2 ملايين حيث انخفض معدل البطالة الآن إلى ما تحت نسبة الثمانية في المئة، ولأول مرة من أربع سنوات تقريبا ولكن معدل البطالة لا يزال أعلى بنسبتين مئويتين فوق القيمة الطويلة الأجل، والتي يعتبرها معظم الاقتصاديين عادية عندما يكون الاقتصاد قد اقترب من العمل بكامل طاقته.

إن عدد العاطلين عن العمل لمدة طويلة (27 أسبوعاً أو أكثر) حوالي 40% من الإجمالي- وهي أقل نسبة منذ سنة 2009 ولكن لا تزال أعلى بكثير من فترات الركود السابقة منذ الركود العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي، وهي ضعف ما يجب أن تكون عليه في سوق عمل عادي، وعليه وإن كان سوق العمل الأميركي يتعافى فإنه لا يزال بعيدا جدا عن مكانه الطبيعي.

وهذا يعود جزئيا إلى أن فقدان الوظائف خلال الركود العظيم كان كبيرا للغاية، أي أكبر بمرتين مقارنة بفترات الركود السابقة منذ الركود العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي، فإذا أخذنا بعين الاعتبار التاريخ الاقتصادي الأميركي فإن ما يعتبر غير طبيعي هو ليس "رتم" نمو الوظائف في القطاع الخاص منذ انتهاء فترة الركود لسنة 2008 -2009 ولكن الفترة الزمنية الطويلة للركود نفسه وعمق ذلك الركود.

فالانكماش كان ركودا واضحا في الميزانية، والذي تسبب في تناقض واضح في ثروات الناس مما جعل من الضروري حصول تقليص مؤلم للمديونية، وما يتفق مع فترات الانتعاش هو نمو الطلب بشكل بطيء على الرغم من تحفيز مالي ونقدي غير مسبوق، وهذا يفسر لماذا يبقى معدل البطالة مرتفعا، فالشركات التجارية تشير إلى وجود شكوك في قوة الطلب، ولكن ليست شكوكا في التنظيم أو الضرائب، إذ إن هذه الشركات تشير إلى ذلك العامل على أنه العامل الرئيسي الذي يقلل من خلق فرص العمل.

لقد انكمش الطلب من القطاع العام بسبب تدهور الميزانيات على مستوى الولايات والحكومات المحلية، وكنتيجة لذلك فإن التوظيف الحكومي والذي عادة ما يرتفع خلال فترات الانتعاش كان من الأسباب الرئيسة للبطالة العالية خلال الثلاث سنوات الماضية. بالرغم من نمو متواضع في الأشهر الثلاثة الأخيرة فإن التوظيف الحكومي هو أقل بمقدار 569000 وظيفة مقارنة بمستواه سنة 2009، وهو أقل معدل من ثلاثين عاما، وذلك مقارنة بنسبة السكان المدنيين البالغين.

 طبقا لحسابات هاملتون بروجيكت فإنه لو كانت تلك الحصة حسب معدل 1980-2012 والمقدر بنسبة 9.6% (كانت النسبة في واقع الأمر أعلى بين سنة 2001-2007) لكان لدينا حوالي 1.4 مليون وظيفة حكومية وأكثر، ولكان معدل البطالة حوالي 6.9%.

إن التقارير الأخيرة تشير إلى أن هناك أكثر من ثلاثة ملايين وظيفة شاغرة وحوالي 49% من أصحاب العمل يقولون إنهم يواجهون صعوبات في ملء الشواغر وخاصة في تقنية المعلومات والهندسة والعمالة الماهرة، مما أدى إلى إطلاق تكهنات بأن انعدام التوافق بين مهارات العمال واحتياجات أصحاب العمل هو من الأسباب الرئيسة لمعدل البطالة المرتفع.

لكن هناك أدلة قليلة تدعم وجهة النظر تلك، فالعلاقة بين معدل البطالة ومعدل الشواغر تتوافق مع الأنماط السائدة في فترات الانتعاش السابقة، وليس هناك أي شيء غير عادي فيما يتعلق بحجم انعدام التوافق بين الفرص الوظيفية المتاحة والعمالة في سوق العمل.

فانعدام التوافق الوظيفي هذا يصبح أكبر خلال فترات الركود مما يعكس تنقلا أكبر في سوق العمل، فيتنقل العمال من القطاعات المنكمشة إلى القطاعات الآخذة في التوسع، ولكن انعدام التوافق هذا ينخفض عندما يستعيد الاقتصاد عافيتة، وهذا النمط يعكس أيضا فترة الانتعاش الحالية، فالبيانات الأخيرة تشير إلى أن انعدام التوافق بين الطلب والعرض فيما يتعلق بالعمالة قد رجع إلى مستويات ما قبل الركود.

لكن بينما يستيعد الاقتصاد الأميركي عافيته فإن التغير التقني يتسارع مما يزيد الطلب على مهارات أكبر في وقت استقرت فيه مستويات الإنجازات التعليمية، وهذا هو الذي يشكل فعليا الفجوة الحقيقية في المهارات، والتي كانت موجودة قبل الركود العظيم وهي تزداد سوءا مع مرور الوقت.

فالفجوة تظهر بشكل جلي في معدلات بطالة أعلى عند خريجي المرحلة الثانوية مقارنة بخريجي الجامعات في كل مرحلة من الدورة التجارية، كما أن الفجوة تظهر أيضا في انعدام مساواة معتبر ومتصاعد بين دخول العمال من خريجي المرحلة الثانوية مقارنة بأولئك الحاصلين على شهادات جامعية أو أعلى.

لقد كانت الدخول عالية على وجه الخصوص عند أولئك الحاصلين على شهادات جامعية، بينما انخفضت الأجور الحقيقية للعمال من خريجي المدارس الثانوية بشكل كبير وخاصة عند الرجال، فأصبح من الصعوبة بمكان على العمال الذين لديهم مستويات تعليمية منخفضة أن يعثروا على وظائف تعطي رواتب عالية في أي قطاع وحتى عندما يكون الاقتصاد يعمل بكامل طاقته تقريبا.

لقد كانت الولايات المتحدة الأميركية تقود العالم في مجال معدلات خريجي المدارس الثانوية والجامعات معظم فترة القرن العشرين، واليوم أصبحت في منتصف قائمة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والعامل الرئيسي وراء هذا الانخفاض النسبي كان فشل النظام التعليمي الأميركي في المدارس في ضمان وجود تعليم عالي الجودة للأميركيين الأقل حظا، وخاصة الأطفال الذين ينتمون إلى عائلات فقيرة أو من الأقليات أو المهاجرين.

 طبقا لآخر تعداد فإن حوالي ربع الأطفال تحت سن السادسة يعيشون في فقر؛ علما أن احتمالية أن يحصلوا على برامج للطفولة المبكرة لإعدادهم لفترة المدرسة هي احتمالية قليلة مع تزايد احتمالات أن يذهبوا إلى مدارس تكون فيها النسبة والتناسب بين الطلاب والمعلمين عالية، ولا تستطيع تلك المدارس اجتذاب المعلمين المهرة والاحتفاظ بهم.

كنتيجة لتلك المشكلات وغيرها فإن طالب الثانوية الأميركي في المعدل لا يحصل على إعداد كافٍ في المواضيع الرئيسة مثل الكتابة والرياضيات والمنطق التحليلي، وهذا بدوره يقلص معدلات الالتحاق بالجامعات وإكمال الدراسة فيها.

 إن التجربة الأميركية تتوافق مع أدلة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والتي تشير إلى أن الطلبة من البلدان التي تنعدم فيها المساواة في الدخل يحصلون على معدلات أقل في اختبارات الإنجاز الأكاديمي، وفي دراسة لماكنزي مؤخرا تبين أن الفجوات في الفرص التعليمية والإنجازات التعليمية طبقا للدخول تعني وجود ما يعادل ركودا دائما يقدر بما نسبته 3-5% من الناتج المحلي الإجمالي فيما يختص بالاقتصاد الأميركي.

لذلك على الولايات المتحدة الأميركية التعامل مع الفجوة المهارية بأن تقوم بدعم الإنجاز التعليمي للعمال الحاليين والمستقبليين، فهذا يعني الاستثمار أكثر في التعليم على جميع المستويات: برامج التعليم ما قبل المدرسة للطفولة المبكرة والتعليم الابتدائي والثانوي والكليات في المجتمعات المحلية، وبرامج التعليم المهني من أجل وظائف محددة في قطاعات محددة، ومساعدات مالية للتعليم العالي، وهذا يعني فوق ذلك كله معالجة فوارق الدخل في الفرص والإنجازات التعليمية.

* لورا تايسون | Laura Tyson ، رئيسة سابقة لمجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأميركي وهي تعمل أستاذة في كلية هاس لإدارة الأعمال في جامعة كاليفورنيا، بيركيلي.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top