إمارة دستورية... كيف؟
المطلوب الآن ليس الاكتفاء برفع الشعارات السياسية التي يغلب على بعضها ردة الفعل أو التكسب الانتخابي، بل إن المطلوب هو المبادرة بالدعوة إلى نقاش عام جاد تشترك فيه القوى السياسية والشبابية كافة الداعية إلى الإصلاح والتغيير الديمقراطي، وليست القوى الطائفية الفئوية التي يتعارض وجودها أصلاً مع النظام الدستوري الديمقراطي.
هذه ليست المرة الأولى التي يطرح فيها موضوع الإمارة الدستورية، لكن طرحه هذه المرة يختلف عن المرات السابقة حيث أعلن أكثر من طرف سياسي تبنيه، بل بدأت تتضح، وللمرة الأولى، الملامح الأولية "لمشروع" الإمارة الدستورية رغم أن محتواه الكامل لم ينضج بعد، ناهيكم عن عدم استكمال متطلباته الأولية حتى الآن.إن طرح مسألة الإمارة الدستورية والنظام البرلماني المتكامل الذي رفعت شعاره، ودعت إليه أخيراً "الحركة الديمقراطية المدنية" لا يعتبر خروجاً على الدستور، لأن دستورنا يميل بشكل واضح ناحية النظام البرلماني والإمارة الدستورية، لكنه ليس فقط لم يطوّر كما ينص على ذلك، بل إنه لم يطبّق بالكامل، وتم تجاوزه ومحاولة التخلي عنه غير مرة. القضية المهمة هنا هي أن تبني النظام البرلماني المتكامل، وما يسمى "الحكومة الشعبية" لا يعني بأي حال من الأحوال توزير عدد من النواب كما يطرح البعض، وهو الأمر الذي سبق أن جربناه في التسعينيات وثبت فشله الذريع. كما أنه لا يعني رئيس وزراء شعبياً فقط، بل إنه يعني نظاماً ديمقراطياً متكاملاً لا يمكن أن يتحقق ما لم يكن هناك فصل تام بين السلطات وتداول سلمي للسلطة التنفيذية له متطلبات أولية لا يمكن أن ينجح من دونها.وفي مقدمة تلك المتطلبات إشهار الأحزاب السياسية على أسس مدنية ديمقراطية أي غير طائفية أو عرقية أو فئوية بحيث تكون برامجها الانتخابية تعبّر تعبيراً صادقاً عن قضايا وطنية عامة.وأن تنشأ هيئة مستقلة للانتخابات تتولى الإشراف عليها كاملة، ثم تقام الانتخابات العامة على طريقة القوائم النسبية مع حق الترشح الفردي لكي تتحول الانتخابات العامة إلى معارك سياسية فعلية حول برامج وطنية، وليس كما هي الحال لدينا حالياً حيث تجرى الانتخابات العامة في ظل فوضى سياسية واستقطابات طائفية وقبلية وفئوية حادة.لهذا فإن المطلوب الآن ليس الاكتفاء برفع الشعارات السياسية التي يغلب على بعضها ردة الفعل أو التكسب الانتخابي، بل إن المطلوب هو المبادرة بالدعوة إلى نقاش عام جاد ومسؤول تشترك فيه القوى السياسية والشبابية كافة الداعية إلى الإصلاح والتغيير الديمقراطي والمؤمنة به فعلاً، وليست القوى الطائفية أو الفئوية التي يتعارض وجودها أصلاً مع النظام الدستوري الديمقراطي، على أن يترتب على عملية النقاش الواسع توافق وطني عام حول مجموعة خطوات عملية واضحة وملموسة يرتبط تنفيذها بإطار زمني محدد من أجل الالتزام بتطبيق الدستور بالكامل وتطويره، كما ينص باتجاه نظام برلماني متكامل وعندئذ يمكننا الحديث عن إمارة دستورية ونظام برلماني حقيقي.