كانت تظاهرة معرض الكتاب، بالنسبة لي على الأقل، هي اللقاء الثقافي الجميل بالأصدقاء والتعرف على انتاجاتهم ومتابعة الكتّاب الجدد الذين يشقون طريقهم بين مؤيد ومعارض لإنتاجهم وطريقتهم في عرض هذا النتاج. والكتّاب الشباب لهم طريقتهم في عرض منتجهم الثقافي وللمرة الثانية يتكرر الازدحام على تلك الدار التي جاورتها دار أخرى مشابهة لها في العرض وان خالفتها في اللون.

Ad

الذين يهاجمون كتاب الدور الجديدة لهم وجهة نظر تتمثل في ضعف المستوى الأدبي وهم يشيرون بذلك إلى اللغة التي يكتب بها الشباب نتاجهم وعدم تمكنهم منها كأداة للمنتج الثقافي. ونحن هنا لا نختلف معهم الى حاجة الكاتب للتمكن من أدواته الفنية ومن بين تلك الأدوات اللغة. وعلى الأخوة المعترضين على نتاج هؤلاء أن يتذكروا أن اللغة والتمكن منها نحوا وصرفا لا ينتج عملا أدبيا ولو كان الحال كذلك لكان أساتذة اللغة هم الأدباء والشعراء ولكن الحال ليست كذلك. فاغلب المبدعين في العالم وليس في العالم العربي فقط هم من خريجي فروع معرفية بعيدة كل البعد عن اللغة كتخصص علمي. اذا ما يتطلبه العمل الأدبي إضافة الى اللغة أدوات أخرى أهمها الموهبة والتي بالإمكان تطويرها وصقلها بالقراءة والتطور الطبيعي الذي صاحب جميع كتاباتنا بلا استثناء.

جميعنا بدأنا هواة وأغلبنا مازال هاويا لم يحترف الكتابة ولم يتفرغ لها تفرغا تاما. وجميعنا كنا بجاجة لمن يصغي لنا ويقرأ كتاباتنا ومازلنا حتى اليوم يستشير بعضنا بعضا ونأخذ بآراء زملائنا وإرشاداتهم في أعمالنا الأدبية. وهؤلاء الشباب ليسوا استثناء فهم بحاجة الى دعمنا وأن نصغي إليهم لا أن نتعالى عليهم ونطالب بإلغائهم. هؤلاء الشباب أو مجموعة منهم ربما لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة يمتلكون هذه الموهبة الكتابية والتي يمكن تطويرها وتوجيهها لشغل الفراغ الأدبي الحالي.

ربما ينظر الأخوة المعترضون على كتابة الشباب واقبال الجمهور الشبابي عليهم كحالة أدبية مستمرة لا يمكن لها أن تتطور وتنتقل من حالتها الحالية المتواضعة الى حالة أفضل كحال معظم كتابنا في بداياتهم، وذلك رأي يخالف المنطق والفعل الأدبي.

حالة الكتاب الشباب وتطورها تنطبق أيضا على حالة القراء الذين يتابعون كتاباتهم، هؤلاء القراء وأغلبهم من الشباب يتابعون أقرانهم ويقرأون نتاجهم الحالي لما يجدون فيه من ملامسة مباشرة لقضاياهم وهمومهم الصغرى وهي حالة لن تستمر طويلا أيضا. فكما يتطور الكاتب وأدواته يتطور القارئ أيضا وينتقل من كتاب متواضع فنيا الى كتاب أكثر اتقانا وهكذا. والأكثر أهمية في هذا الحراك الثقافي هو فعل القراءة والذي بدأ هذا العام مبشرا جدا.

معرض الكتاب هذا العام جاء مختلفا عن الأعوام السابقة، فكان الإقبال شديدا على الكتب الروائية من القراء الشباب تحديدا ونفذت أغلب الكتب الروائية التي تابعتها. والإقبال على الكتب الروائية يدل على نفس كتابي وقرائي طويل، فالرواية عمل يحتاج الى جهد في الكتابة وجهد مقابل في القراءة والاهتمام بها يدل على حرص القارئ في تخصيص وقت لم يكن ممكنا في السابق الا للأقلية.