ما قل ودل: على هامش الفيلم المسيء للرسول

نشر في 23-09-2012
آخر تحديث 23-09-2012 | 00:01
No Image Caption
 المستشار شفيق إمام الفيلم الإباحي المسيء للرسول عليه الصلاة والسلام، الذي أنتج في الولايات المتحدة الأميركية أثار مشاعر غضب المسلمين في أنحاء العالم كافة، وانطلقت المظاهرات الحاشدة تهاجم السفارات الأميركية، وكان نصيب السفارة الأميركية في ليبيا هو الأفدح حيث راح ضحية الهجوم عليها السفير الأميركي وثلاثة من الدبلوماسيين بالسفارة.

أما أعداد المصابين في المظاهرات التي هاجمت مبنى السفارة الأميركية في القاهرة فقد جاوزت المئتين، وكانت إصاباتهم نتيجة اشتباك قوات الأمن المصري معهم بعد تسلقهم مبنى السفارة وإنزالهم للعلم الأميركي.

كما حرق المتظاهرون السفارة الألمانية، ولقي 12 شخصاً حتفهم من بينهم 8 من الأجانب، في عملية انتحارية نفذتها امرأة في كابول، كانوا يركبون حافلة على الطريق المؤدي إلى المطار الدولي.

ولئن كان الغضب حقاً مشروعاً للمسلمين، الذين أصبح التطاول على نبيهم ودينهم نهجاً مستمراً ومتواصلاً في الغرب، فإن ما صاحب هذا الغضب من أعمال عنف راح ضحيتها الأبرياء، كان أمراً مناقضاً لمبادئ هذا الدين.

المسؤولية شخصية

ألم يقل المولى عز وجل في محكم آياته "ولا تزر وازرة وزر أخرى"... فلا يسأل عن الفعل إلا فاعله ولا يؤخذ امرؤ بجريرة غيره، وهو مبدأ من المبادئ السامية في المساءلة والمحاسبة قرره الإسلام في كثير من آيات القرآن البينات، من ذلك قوله تعالى "ولا تكسب كل نفس إلا عليها"، "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" و"من يعمل سوءاً يجز به"، وهو ما ردده الرسول عليه الصلاة والسلام في حديثه الشريف "لا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه ولا بجريرة أخيه".

ما الذي فعله أو يمكن أن يكون قد فعله سفير أميركا في ليبيا، أو ما الذي يمكن أن يفعله، بالنسبة إلى فيلم يسيء إلى الرسول، عليه الصلاة والسلام، أُنتج وأُخرج ومُثل في الولايات المتحدة الأميركية ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون تقول في تصريحاتها "أعلم أنه سيكون من الصعب بالنسبة إلى البعض فهم لمَ لا تستطيع الولايات المتحدة الأميركية منع هذا النوع من أشرطة الفيديو الجديرة بالعقاب".

وتقول لتؤكد: "إنه أمر مستحيل مع التكنولوجيا الحديثة"، في الوقت الذي تقول المتحدثة باسم "غوغل"، مها أبوالعينين الناطقة باسم "يوتيوب" إن الموقع فرض قيوداً على هذا الفيلم في ليبيا ومصر، بسبب الاضطرابات التي حدثت فيهما، ولكنه سيظل متاحاً على نطاق واسع على الإنترنت لبقية الدول.

ليس الأمر مستحيلاً كما قالت وزيرة الخارجية الأميركية، فكيف يستحيل ذلك على أميركا القوة الأكبر والأغنى اقتصادياً والأكثر تقدماً، والتي آلت إليها قيادة العالم الغربي في هذا القرن الذي أصبح البعض يطلقون عليه القرن الأميركي.

أميركا العقيدة

لكن الوزيرة كلينتون، تعيش حلم أميركا العقيدة لا الدولة، وأميركا الفكرة أو العقيدة تقوم على معنى في الفكر السياسي الأميركي الذي يرى أن الولايات المتحدة أكبر من أن يطلق عليها وصف الدولة فحسب، فهي مسؤولة عن نقل قيمها وأفكارها ومفاهيمها إلى العالم، فوزيرة الخارجية الأميركية تستكمل تصريحاتها بقولها: "مع ذلك فإن بلادنا تملك تقليداً عريقاً عن حرية التعبير، تكرس في دستورنا وقوانيننا لا تستطيع معه منع مواطنين من التعبير عن وجهة نظرهم حتى إن كان ذلك لا يروق لنا"!

وعندما دانت سفارة الولايات المتحدة في القاهرة إيذاء مشاعر المسلمين الدينية، أكد بيان للسفارة أن احترام المعتقدات الدينية هو حجر الزاوية للديمقراطية الأميركية، مشدداً على رفض أفعال من يسيئون استخدام الحق العالمي لحرية التعبير للإساءة إلى المعتقدات الدينية للآخرين.

وكشفت صحيفة "واشنطن بوست" أمس أن وزارة الخارجية الأميركية أعلنت رفضها للبيان الصادر عن سفارة بلادها في القاهرة الذي ندد بالفيلم المسيء.

وأوضحت الصحيفة أن البيان صدر ولم تكن السفيرة آن باترسون في مصر آنذاك بل كانت في واشنطن، لذلك فإن من أصدر البيان هو القائم بأعمالها في ذلك الوقت، وأضافت الصحيفة أن بيان السفارة دان ما أسماه بالمحاولات الفردية لإيذاء المشاعر الدينية للمسلمين، كما دان كل ما يهين أي مؤمن بأي ديانة، لكن وزارة الخارجية الأميركية تبرأت تماماً من البيان مؤكدة أنه صدر بدون تنسيق مع البيت الأبيض.

حرية التعبير

أي حرية تعبير تلك التي تتحدث عنها سيدة الخارجية الأميركية، في فيلم فيديو ساقط قصةً وسيناريو وتمثيلاً وحواراً وإخراجاً، فقد كشفت سيندي لي غارثيا، الممثلة التي شاركت في الفيلم المسيء للرسول، أنها تعرضت للتضليل ولم تعلم أنها شاركت في فيلم مسيء عن حياة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) وأنها تعتزم مقاضاة المخرج.

وذكرت صحيفة "لوس أنجلس تايمز" نقلاً عن الممثلة أن السيناريو كان بعنوان "محاربو الصحراء" ولم تكن به أي إشارة إلى الإسلام وتم تصويره في أغسطس عام 2011، وقالت غارثيا إن الفيلم كان مبنياً على فكرة ما كان عليه الناس منذ ألفي عام ولم تكن له أي علاقة بالدين.

وأضافت غارثيا أن باسيل المخرج كان حريصاً على تصوير "جورج"، وهو شخصية الممثل الذي قام بدور محمد (عليه الصلاة والسلام)، في أسوأ صورة ممكنة، وأشارت إلى أن السيناريو لم يكن يحمل اسم محمد ولا أي إساءة للإسلام وحملت الشخصية الرئيسية اسم السيد جورج.

يأتي ذلك في الوقت الذي ذكرت فيه قناة "سي إن إن" الإخبارية الأميركية أن طاقم الفيلم بأكمله والذي يضم 80 شخصاً أصدروا بياناً يؤكدون فيه استياءهم البالغ من الإيقاع بهم وتضليلهم، مشددين على عدم معرفتهم لنوايا وأهداف القائمين الرئيسيين على الفيلم، وأعربوا عن بالغ حزنهم للأحداث المأساوية التي نجمت عن ظهور الفيلم.

إنه فيلم كان من تداعياته تهديد الأمن والاستقرار في العالم والإضرار بالمصالح الأميركية، من خلال زيادة العداء لأميركا في العالم الإسلامي وإيقاظ خلايا التطرف النائمة، ليحرضها على ارتكاب جرائم قتل الأبرياء وإرهاب الآمنين. أليس هناك في الولايات المتحدة الأميركية قانون يعاقب من أنتج هذا الفيلم وأخرجه وليس له من غاية أو قصد إلا معاداة الإسلام والمسلمين وبث الكراهية ضدهم؟ كما أن حرية التعبير ليست هدفاً في ذاتها، بل هدفها تشجيع الإبداع، وأن غاية الفن هو التواصل داخل المجتمع أو بين المجتمعات، وهو ما افتقده هذا الفيلم تماماً.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top