في المقالة السابقة كتبت عن ملامح البلد المعنوية في ما يتعلق بسلوكيات السياسيين والعلاقات الإنسانية والأداء السياسي، وهي أمور أضحت مراقبتها تصيب بالكآبة وطول متابعتها يزيد معدلات الإصابة بالأمراض الخبيثة والمستعصية في الكويت، ولذلك فإن قضاء بعض الوقت في التسلية البريئة والذكريات الجميلة في المواقع القديمة في الديرة هو ممارسة تمثل أهم أشكال إراحة النفس والترويح عنها والتخفيف من الضغوط عليها لتجنبها العلل الخطيرة بسبب واقعنا والعياذ بالله.

Ad

ففي كل المدن تجد مواقع تعبر عن ملامحها التاريخية، التي تحافظ عليها السلطات المحلية والبلدية وتجعلها متنفساً للسكان، وفي الكويت لم تتبقَ مواقع كثيرة تعبر عن تراث البلد، وتحفظ لأجيالنا ولمن قبلنا ذكريات الزمن الجميل وبساطته، لاسيما بعد فورة الهدم الكاسحة التي أزالت معالم جميلة كان من بينها سينما الأندلس التي شهدت أهم نشاطات الدولة الثقافية والفنية منذ استقلالها، وكذلك العديد من المعالم التاريخية المهمة، ومع ذلك، ولكي أكون محقاً ومنصفاً فإن هناك جهوداً بذلت في السنوات الأخيرة نتج عنها إحياء "كشك مبارك" الأثري في المباركية وقصر نايف وتجميل وترميم سكة بن دعيج وسوق السلاح وسوق التجار والعديد من المواقع الأخرى، بالإضافة إلى الحدث الجميل ترميم بيت المرحوم عبدالله العثمان القديم في منطقة حولي وافتتاحه في احتفالية جميلة للفنون الشعبية.

منطقة السالمية تعتبر من أهم مواقع النشاط التجاري والترفيهي في الكويت، وكانت نموذجاً لنهضة البلد منذ خمسينيات القرن الماضي، ولكن للأسف لا يوجد معلم أو أثر يربطها بتراث الكويت، خصوصاً بعد تغيير ملامح شارع سالم المبارك وتغيير نمطه من window shops إلى مجمعات مغلقة، وهدم العمارة المدورة، ونتيجة لذلك ستكون المنطقة عبارة عن مجمعات سكنية و"مولات تجارية" لا تمتّ بشيء إلى عمارة البلد وتراثه، ولم يتبقَ سوى بضعة منازل مبنية على الشكل القديم في نهاية شارع بغداد بالقرب من موقع منجرة الصباح، يمكن ترميمها وجعلها ساحة مفتوحة لو سارعت السلطات إلى إنقاذها من جرافات الهدم بالاستئجار بمبلغ مُجزٍ أو شرائها وإعادة ترميمها، لتبقى لمنطقة السالمية الحيوية بحركة الزائرين والسياح علاقة بتراث البلد وذكرياته، ولا تتحول إلى موقع للمباني الخرسانية الصماء دون روح تعبر عن أصالة البلد وتاريخه.

***

مؤسسة التأمينات الاجتماعية كانت مضرب المثل في حسن الخدمة وتجاوز أشكال البيروقراطية الحكومية المؤذية، ولكن كلما غبت عنها وعدت لمراجعتها اكتشفت تراجعاً في مستوى الخدمة، وتوجهاً إلى أشكال البيروقراطية المعقدة والمعاملات الورقية المطولة، وفي الزيارة الأخيرة لي لمبنى التأمينات الرئيسي لاحظت أن عدد "الكاونترات" المغلقة أو الخالية من الموظفين ازداد، ووقت الانتظار تضاعف أكثر من مرة، وسمعت شكاوى من المراجعين عن طلبات من المؤسسة لجلب مستندات ورقية من جهات أخرى لإنجاز معاملاتهم رغم أن ملف المؤمَّن عليه يحتوي على جميع معلوماته والقرارات الخاصة به منذ شغله الوظيفة، بالإضافة إلى نظام الحكومة الإلكترونية الذي يجب أن تكون تطبيقاته كبيرة في مؤسسة ذات إمكانية كبيرة مثل التأمينات، وكذلك العمليات المعقدة الخاصة بمعاملات المعاقين وطلبات خاصة لأوراق لا تعني مؤسسة التأمينات كبحث حالة وخلافه، وهي أمور قانونية منوطة بهيئة شؤون ذوي الإعاقة، ويجب أن تكتفي التأمينات فقط بشهادة أو حكم محكمة يثبت القيم على المعاق، وهو ما يفسر أن الفكر البيروقراطي يتغلغل وينخر في مؤسسة التأمينات الاجتماعية، ليجعلها موقعاً آخر في الدولة لمعاناة المواطنين وتعطيل مصالحهم.