الشعب لما صحصح
سيتجه المصريون في نهاية هذا الأسبوع إلى اختيار الرئيس "الواجب شرعاً" أن يمنحوه أصواتهم. ولا يلزمهم طبعاً التفكير والتمحيص واتخاذ القرار وفق قناعتهم هم، لأن أئمة المساجد في خطب الجمعة قرروا نيابة عنهم أن اختيار مرشح الإخوان محمد مرسي واجب شرعي وليس وطنياً، وأن انتخاب أحمد شفيق وعمرو موسى من الإثم والعدوان. كما صرح أحد رموز الحركة السلفية صفوت حجازي بأن انتخاب مرسي للرئاسة أشبه بإعادة الفتح الإسلامي إلى مصر! ويمكن القول إن هذه اجتهادات فردية، لولا أن مرشح الإخوان مرسي نفسه التقى الشيوخ والدعاة في قاعة الأزهر قبل أيام وطلب منهم الدعوة إليه في مساجد مصر باعتباره المرشح الوحيد الذي يدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية.لقد تم تضليل المواطن البسيط بشعارات تدغدغ المشاعر وتثير المهج بدلا من أن تساعده على فهم موجبات الرئاسة ودور الدولة في تأمين العدالة الاجتماعية والمساواة وحفظ حقوق الإنسان سواء كان قبطياً أو مسلماً، لأن هذه هي معايير الشريعة المتمثلة في قول خليفة المسلمين عمر: "لو أن بغلة عثرت في العراق لسألني الله عنها لِمَ لم تمهد لها الطريق؟"، وهذا دليل على أن الشريعة هي إنجاز مصالح الناس، وفي قوله: "ومتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتم أحراراً" دليل على أن الشريعة هي احترام حريات الناس، وقد قيلت العبارة السابقة في موقف الدفاع عن قبطي. والخليفة ليس من تنتفخ حساباته بالمليارات بل هو من يحمل كيس الدقيق على ظهره كي يطعم أرملة وأطفالها كما فعل أبوبكر. كما أنهم لم يقولوا لهذا المواطن أن الشريعة هي محاسبة الخليفة مثلما وقف رجل في وجه عمر رضي الله عنه سائلاً إياه كيف حظي بثوب أطول من ثيابهم في عام المجاعة؟ فرد عليه عمر بأن ابنه أعطاه نصيبه من القماش ولم يقل له كيف تجرؤ على هذا القول. وفي شعارٍ رفعه أبوبكر رضي الله عنه قال: "إن ملت فقوموني" فلم يسمع رداً إلا "والله لنقومنك بالسيف"... كل ما يفهمه المواطن البسيط عن الشريعة هو رجم الزانية وقطع يد السارق. وطبعاً السارق هنا هو المواطن الذي يسرق وهو بلا عمل وبلا تعليم، وليس الرئيس الذي يجد قانوناً يجعله دائماً فوق الناس لأنه مثل والدهم. لم يشرح أحد لهؤلاء أن الوسيلة الوحيدة للديمقراطية هي الإقناع، بل أصرّوا على انتزاع صوت المواطن بقوة الجبر كواجب شرعي وعبر تخويفه من مخالفة تستوجب عقوبة الله. ومنعوه من التصويت لمرشح آخر قد يكون أفضل، لأن ذلك من الإثم والعدوان، لم يعبأ هؤلاء بمخالفة صريحة للقوانين تمنع استخدام المساجد في الحملات السياسية، مما يعني أنهم وافقوا على القبول بالديمقراطية كي ينقلبوا عليها في أول ممارسة.
أثناء الثورة أُطلقت في مصر نكتة تقول إن "الريس عقد جلسة مع وزير الداخلية السابق حبيب العادلي ولامه محتداً: منعت الحشيش يا فالح؟ أهو الشعب صحصح!". فهل صحصح الشعب فعلاً أم أنه دخل في غيبوبة أخرى من صناعة الشيخ الريس، مبسوط يا خويا؟.