أزمة دستور أم محكمة دستورية؟
عندما أقر الدستور وجود المحكمة الدستورية, أسند القانون العادي لتعيين الجهة القضائية التي تختص بالطعون الدستورية حسب المادة (173): "يعين القانون الجهة التي تختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح ويبين صلاحيتها والإجراءات التي تتبعها... إلخ)، ثم أصدر المشرع الكويتي القانون رقم (14) لسنة 1973 بإنشائها أي المحكمة الدستورية, وجعلها وحدها مختصة بتفسير النصوص الدستورية والفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين, والمراسيم بقوانين, واللوائح وفي الطعون الخاصة بانتخاب أعضاء مجلس الأمة. اتجه بعدها البعض إلى تأييد اختصاص المحكمة، ونبه البعض الآخر من اختزال وحصر العلاقة بين طرفين فقط، وهما الحكومة ومجلس الأمة وإهمال الطرف الشعبي.
وفي 6 مايو من هذا العام تابعنا المقترح الذي تقدم به النائب السابق محمد الصقر وعدد من النواب الذين اهتموا بتفعيل محاسبة الناخب للنائب, فوقع 45 نائباً على المقترح والسبب الذي ذكره الصقر في ندوة التحالف الوطني بعنوان "المحكمة الدستورية حق الشعب": "القانون غير دستوري لأنه يتحيز لمؤسستي مجلس الوزراء ومجلس الأمة, حيث تم إغفال حق الشعب, وأي قانون يغفل حق الشعب يكون غير دستوري، والأفراد أحق من مجلسي الأمة والوزراء، أعضاء الأمة يملكون حق التشريع، ولكن الفرد لا يحق له اللجوء للمحكمة إلا إذا كان هناك نزاع، وكان الفرد أحد أطراف النزاع". الكثير من الكتّاب تناولوا البنية القانونية بالتعليق على المحكمة الدستورية، كأحمد ديين على سبيل المثال يذكر في كتابه "الديمقراطية في الكويت مسارها ووقعها وتحدياتها وآفاقها": "وعلى خلاف ما قررته المادة الثالثة والسبعون بعد المئة من الدستور والمذكرة التفسيرية للدستور في شأنها أن المادة الرابعة من القانون رقم 14 لسنة 1973 بإنشاء المحكمة الدستورية تقيد حق المواطنين باعتبارهم من "ذوي الشأن" في الوصول مباشرة إلى المحكمة الدستورية للطعن في دستورية أي قانون مخالف للدستور وتقصره على الحكومة ومجلس الأمة...". اليوم ونحن نعيش المشهد الضبابي المستمر ابتدأ بحكم المحكمة الدستورية ببطلان مجلس 2012، وإلغاء قرار أميري الأمر الذي يراه الدكتور الخطيب يسجل للقضاء الكويتي ويضع الدستور فوق الجميع.إعلان بطلان الحل ثم إعلان بطلان مرسوم الدعوة للانتخابات وبطلان من أعلن فوزهم والتوجه لمقاطعة الجلسات... إلخ، وضع العديد من الاحتمالات أمامنا (حتى كتابة المقالة), فهل سنسمع عن صدور مرسوم الدعوة لمجلس 2009؟ أم أن الحكومة ستشعر أنها فاقدة صفتها الدستورية لو قبلت استقالة المويزري، وإبقاؤها على استقالته معلقة يمنحها المرونة في قرار حل مجلس 2009, والمعضلة الأخرى تكمن في مدى استمرارية مجلس 2009 وما هي الآلية المستخدمة للانتقال للدعوة لانتخابات جديدة؟ لا شك أن عودة مجلس 2009 سترفع حالة الاحتقان والسعي إلى استرجاع مسميات كـ"القبيضة" و"المرتشين" وغيرها من الاتهامات التي التصقت ببعض نواب 2009.قبل إرسال المقالة للنشر أعلنت الحكومة استقالتها لحرصها على تجنب الدخول في شبهات دستورية بعد استعراضها تقريرا مقدما من اللجنة الوزارية المشكلة برئاسة وزير العدل حول آلية التعامل مع حكم المحكمة الدستورية... فماذا تخبئ لنا الأيام؟ وهل سيصوت المجلس القادم على تعديل آلية المحكمة وإدراج حق المواطن كطرف في المطالبة والمحاسبة؟