في مستقبل الليبرالية المصرية

نشر في 29-08-2012
آخر تحديث 29-08-2012 | 00:01
No Image Caption
 د. شاكر النابلسي الخشية على مستقبل الليبرالية المصرية، هو خشية على مستقبل الليبرالية العربية، فكما بيّنا في المقالات السابقة، هنا على هذه الصفحة من "الجريدة"، من خلال كتاب رفعت السعيد "الليبرالية المصرية" وكتاب هالة مصطفى "أزمة الليبرالية العربية.. نموذج مصر" فإن الليبرالية المصرية هي بارومتر الليبرالية العربية، وهي "بيضة قبان" الليبرالية العربية، فكانت مصر– كما سبق أن قلنا- هي الثدي الدافئ والمدرار لليبرالية العربية، التي تمر هذه الأيام بأزمة من أزماتها الكثيرة، التي تعرضت لها منذ قرون طويلة.

محاولات لَمِّ الشمل!

وفي الأيام الأخيرة، تنبه بعض الليبراليين المصريين، فتنادوا الى رصِّ الصفوف، ربما خشية من سطوة الأصولية والسلفية الدينية على مقاليد الحكم في مصر، وتوجيه مصر وجهة دينية. وهي مخاوف- في رأينا- لا مبرر لها، ولا برهان عليها، لا سيما أن الأصوليين والسلفيين إن حاولوا إقامة دولة دينية في مصر فلن يُكتب لها النجاح، في هذا التوقيت من مطلع القرن الحادي والعشرين والألفية الثالثة والثورة العالمية الثالثة "الإنترنت"، ولكن فزع الليبراليين الناتج عن خيبتهم وتفرق صفوفهم وتشتتهم، كان الدافع وراء التنادي إلى رصِّ الصفوف الليبرالية، والمناداة لتنفيذ خطة هي أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع.

وتأتي هذه الخطوات، بالتزامن مع حالة من التخبط في الوسط السياسي بداية من دعوات التظاهر (24/12/2012) ضد "جماعة الإخوان المسلمين"، وحالة الخمول من النخبة السياسية، وتحديداً القوى الليبرالية، وحالة من رفض حزب "الحرية والعدالة"، لأي مظاهر لانتقاد الرئيس مرسي، وتتلخص الخطة لإنقاذ الليبرالية المصرية من مأزقها الحالي في الخطوات التالية:

1- الدفاع عن الحريات ودولة القانون الديمقراطية في مواجهة تعقب الصحافيين والإعلاميين وإزاء خطر العصف بالحريات العامة والشخصية.

2- مواجهة ماكينة التكفير السلطوية، التي ستنتج بلا محالة دكتاتوراً جديداً.

3- مواجهة الآراء المرتدية زيفاً عباءة الدين، وتروج لاستبداد جديد بتحريم وتجريم التظاهر، وبإهدار دم المتظاهرين وبحديث "لا لإهانة الرئيس".

4- الشروع في حملات توعية على امتداد الجمهورية بشأن الجمعية التأسيسية والنص الدستوري المنتظر والأخطار التي يحملها على الهوية والمدنية والحرية.

5- الضغط السلمي، شعبياً وسياسياً، على جماعة الإخوان وعلى أحزاب الإسلام السياسي، لتقنين أوضاعها، كي تكف عن خلط الدين بالسياسة والعمل الحزبي.

6- وأخيراً، دعوة كل الأحزاب والحركات الليبرالية والمدنية لتوحيد الصف حفاظاً على مصر المدنية، والديمقراطية، ودولة المواطنة.

جهل الليبراليين بالإسلام

ومن الملاحظ، أن الذين نادوا بتنفيذ وتطبيق مثل هذه الخطة، تناسوا أو نسوا خطوة مهمة، وهي أن معظم الليبراليين من مصريين وعرب، يجهلون الإسلام وفقه الإسلام، وقد لاحظتْ أغلبية القراء، الذين تابعوا المجادلات والحوارات بين الليبراليين من جهة، وبين الأصوليين والسلفيين من جهة أخرى، أن هؤلاء يواجهون الليبراليين بمعرفتهم، وعلمهم، وفهمهم الخاص بالإسلام، في حين أن الليبراليين، لا يعلمون كثيراً عن الإسلام الحقيقي وفقهه الإنساني، ويضطرون في معظم الأحيان إلى الرد على الأصوليين والسلفيين، بأقوال مستقاة من أدبيات اليسار الماركسي والاشتراكي، في الماضي والحاضر، مما يُخرج الليبراليون في نهاية المطاف خاسرين، ومندحرين، وفاقدي لثقة الشارع البسيط، والمتدين تديناً شعبياً، وراثياً، بسيطاً، وهذا الشارع، هو الذي اقتنع بمقولات سياسية-دينية كثيرة للأصوليين والسلفيين، وانتخبهم، وأوصلهم إلى سدة الحكم في تونس ومصر أخيراً.

ضرورة قراءة الإسلام الإنساني

ومن هنا نرى، أن على الليبراليين أن يقرؤوا الإسلام الحقيقي جيداً، من خلال ليبراليين مسلمين كالشيخ محمد عبده، والشيخ طه حسين، والشيخ علي عبدالرازق، والشيخ خالد محمد خالد، والشيخ أمين الخولي، وغيرهم من شيوخ الأزهر الذين جددوا في الإسلام، ووجدوا في الإسلام نواحٍ تجديدية، جديرة بالاهتمام والانتشار، كمحمد إقبال، وعباس العقاد، ومالك بن نبي، والعفيف الأخضر وغيرهم.

حقيقة الليبرالية الإسلامية

ولنا أن نعترف، ألا نفاد لليبرالية، ولا نجاح لها في النظرية العربية والتطبيق العربي، دون الإسلام، وأن الليبرالية الإسلامية التي سبق أن دعت إليها مجموعة من المفكرين العرب، كالمفكر السعودي إبراهيم البليهي، الذي أعلن أنه "ليبرالي مسلم"، وكذلك يوسف أبا الخيل، ومنصور النقيدان، وعبدالله بن بجاد العتيبي وغيرهم، هي حقيقة قائمة على أرض الواقع.

يقول أبا الخيل– مثلاً- إن التسامح لازم للتعددية. والتعددية هي الليبرالية في مظهر من مظاهرها، "والتعددية دينية كانت سياسية، أو عرقية، أو مذهبية، تُشكِّل، أصلا بنيوياً من أصول الاجتماع البشري، ويأتي القرآن الكريم مصدقاً لهذه التعددية في أكثر من آية، ومنها:﴿ ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك، ولذلك خلقهم...﴾ (هود:118-119). ويفهم أبا الخيل هذه الآية الكريمة، على أنه طالما أن حال الناس في هذه الدنيا ستظل موشَّحة بالاختلاف، فستظل التعددية ملازمة لهم، حسبما اقتضت حالهم، وهو اقتضاء دائم لازم، لا ينفك أبداً".

ويُجمل أبا الخيل رأيه في التعصب الذي هو "قاعدة" في الحياة العربية الآن، وفي التسامح الذي يعتبر "الاستثناء" في الحياة العربية بقوله:

"أن إحلال ذلك التسامح ضروريٌ، لإقامة نسق اجتماعي قادر على هضم مكونات المجتمع المتعددة، دينية كانت، أو مذهبية، أو عرقية." (جريدة "الرياض"، 18/4- 16/5/2009).

ولكن- وللأسف- نجد أن التقليديين المتشددين، لا يحاكمون الليبرالية الإسلامية إلا على الصورة المنطبعة عنها في أذهانهم، إنهم يحاكمون الليبرالية الإسلامية التي صنعوها بخيالاتهم المتوجسة، وبذهنياتهم النقلية الاستنساخية، ولا يحاكمونها على حقيقة وجودها في خطاب أصحابها، من حيث هي خطاب مثاقفة مع الآخر، وإبداع مع الذات، واحترام للرأي الآخر.

* كاتب أردني

back to top