فجر يوم جديد: الألماني العشوائي !

نشر في 25-07-2012
آخر تحديث 25-07-2012 | 00:01
No Image Caption
 مجدي الطيب يصنع المخرج فيلمه لأنه يحب العالم الذي ينتمي إليه أبطاله، وغالباً ينظر إليهم بوصفهم ضحايا يستحقون تعاطفه ورحمته، في وجه مجتمع قاس نكل بهم وأجهض أحلامهم!

هكذا فعل المخرج كمال الشيخ في فيلم «اللص والكلاب» وصلاح أبو سيف في «الأسطى حسن» و{القاهرة 30» وغالبية أفلامه، كذلك يوسف شاهين في «باب الحديد» و{الأرض» وغيرهما، وهو ما فعله معظم مخرجي الواقعية الجديدة في السينما المصرية مثل: عاطف الطيب (الهروب) و{داود عبد السيد» (الصعاليك والكيت كات) ومحمد خان (طائر على الطريق،الحريف)، بل إنه لم يخف تعاطفه مع «كليفتي»، أي النصاب، مثلما تعاطف خيري بشارة مع العاهرة في فيلم «أمريكا شيكا بيكا»!

لكن الأمر يبدو مختلفاً مع المخرج علاء الشريف في فيلمه الأول «الألماني»، الذي كتب قصته وبدا شديد القسوة على أبطاله وكارهاً عظيماً لعالمهم، لدرجة أنه مثَل بجثثهم وأظهرهم في صورة شديد القبح والاستفزاز، كأنه يلعن اليوم الذي أجبرته فيه الظروف على تقديمهم، ويود، في قرارة نفسه، لو أشعل النار فيهم وأحرقهم ليتخلص منهم!

المفترض، كما تقول مواد الدعاية، بأن فيلم «الألماني» يروي «الأسرار الخفية لحياة البلطجية»، لكن المتابع للأحداث يكتشف بسهولة شديدة أن «الألماني» لا يمت بصلة إلى حياة «البلطجية»، بل يقدم «حالة مرضية» ليس أكثر لشاب أدمن الانحراف، وألقى بنفسه في غياهبه لأسباب تخاصم المنطق، وبدلاً من أن يقدم المخرج فيلماً عن العشوائيات والعشوائيين قدم لنا «فيلماً عشوائياً» بمعنى الكلمة!

يبدأ فيلم «الألماني» ببث شريط مرئي عبر إحدى القنوات الفضائية لبلطجي، محمد رمضان، يعتدي على شاب، بعد الاستيلاء على هاتفه، وفي حين تُصاب والدة البلطجي (عايدة رياض) بهلع ورعب خوفاً على ابنها من الاعتقال، وتهرع لإنقاذه، تسعى مذيعة المحطة الفضائية (رانيا الملاح) إلى استثمار الموقف بأبشع ما يكون الاستثمار، وتُطالب المعد بإحضار «البلطجي» لتجري معه حواراً «حصرياً»، فتحضر أمه عوضاً عنه بسبب هروبه!

محاولة ساذجة وسقيمة، لتبني موقف مناهض للإعلام الرخيص والمتهافت، الذي لا يتورع عن إشعال الحرائق. لكن الأسوأ منها، الطريقة التي قدم بها الفيلم أم «البلطجي»، وأسلوب الحوار المتدني بينها وبين زميلة المذيعة (إنجي علي) التي نصبت نفسها «مُصلحة إعلامية» تحافظ على «الميثاق الإعلامي» و{شرف المهنة»، وعلى رغم هذا تورطت في حوار أقل ما يوصف به بأنه متدن، ولا أظنه يحدث في أقذر الحارات الشعبية والمناطق العشوائية؛ فالأم «الشرشوحة» تبدو متحفزة وغاضبة بينما يستوجب الموقف أن تستعطف من حولها في محنتها، و{المذيعة المُصلحة» وزميلتها تهاجماها وتصفاها بأنها «واطية»، ويتحول الحوار بلا سبب إلى «وصلة ردح» تهدد فيه الأم الجميع بلا مبرر بأنها «ممكن تولع المكان كله» وأن «الألماني» «حيرجع، وحييجي اليوم اللي يقعدكم في بيوتكم»، ولحظتها لن تدري، أبداً، من تخاطب بوعيدها وتهديدها، وأغلب الظن أن المخرج / المؤلف علاء الشريف لا يدري أيضاً!

كل شيء في فيلم «الألماني» يفتقر إلى المنطق، ويحتاج إلى مذكرة تفسيرية لفك طلاسمه الدرامية، وتكراره للثيمات الدرامية المعروفة، بينما يُذكرك المخرج علاء الشريف بالمخرج حسام الدين مصطفى في اختياره زوايا تصوير عجيبة، يضع فيها الكاميرا تحت المائدة أو في أماكن لا تخطر على البال، وبالقدرة نفسها على المباغتة تصدمك الموسيقى بتعليقها المباشر على المواقف وردود الأفعال، واستعارتها ثيمات تتناقض مع الأجواء، فضلاً عن إقحام السياسة والجنس بشكل مجاني، بالإضافة إلى «المسوخ البشرية» التي لا يمكن أن نُطلق عليها «شخوص درامية» لفرط قبحها، وبذاءتها، وجرأة وقاحتها!

بانتهاء متابعة أحداث «الألماني» لا تملك سوى أن تتمنى تطبيق قانون الطوارئ على صانعيه لارتكابهم جريمة لا تغتفر في حق الجمهور، ونجاحهم في توصيله إلى درجة «القرف» و{الاشمئزاز»، بسيناريو أقل ما يوصف به أنه «مهلهل»، وينتمي إلى أفكار «الثورة الحمراء»، التي تدعو إلى العدالة الاجتماعية بالعنف والقتل والدم وتأليب الطبقات على بعضها البعض، بحجة القانون الغائب، لكن غاب على المؤلف / المخرج أن هذه الأفكار البالية لم يعد لها مكان في عالمنا المتحضر، الذي يدعو إلى الحرية والديمقراطية كأساس، وسبيل إلى العدالة الاجتماعية، وإعلاء شأن المواطن. أما «الألماني» ومن يقف وراءه فهو دعوة صريحة إلى الفوضى، وتكريس «الدكتاتورية» باسم «الحرية»!

back to top