سأطرح من خلال السطور القادمة تساؤلات وملاحظات أراها جديرة بالطرح حول الأحداث المحلية الحالية، بالرغم من إحساسي أنها قد تثير حفيظة البعض، لكننا اليوم نمر في الكويت بمرحلة لابد فيها من تجاوز المجاملات وعدم التردد من مصارحة بعضنا بعضاً!
اليوم وبعدما خاض الحراك الشعبي العديد من الاعتصامات وأتبعها بمسيرتين، "كرامة وطن" (1) و(2)، صار من الواجب عليه أن يتوقف ليسأل نفسه: ما هي الخطوة القادمة؟ وبالطبع أنا مدرك لصعوبة هذا السؤال، ليس لأن إجابته بحد ذاتها ملتبسة فحسب، إنما لأني أعلم أن هذا الحراك لا يزال يعوزه الكثير من التنظيم، بل لا أجافي الحقيقة حين أتحدى قائلاً إنه لا تزال تعوزه القيادة الواضحة الملتفة حول رؤية مشتركة لما يراد تحقيقه. وأعلم يقيناً، ويعلم القريبون من الأمر كذلك، أن الحراك الشعبي قد صار أشبه بجمهور كرة قدم غاضب نزل إلى ساحة الملعب لتضيع في اندفاعه وضجيجه كل الأصوات والتوجيهات.وعلى الرغم من أن هذا عنصر قوة في مواجهة السلطة ولا شك، وقد انعكس بوضوح في ارتباكها بل خوفها وتصرفاتها الأمنية الطائشة الشرسة في المواجهة، فإنه في الوقت نفسه عنصر تدمير للحراك نفسه، وبالأخص عند مواجهة تلك الأسئلة المفصلية التي لابد أن تظهر عند الانتقال من مرحلة إلى أخرى.سؤالي هنا، وبعد مسيرتين، وبغض النظر عن مدى قانونية المسيرات من عدمها، ما الذي حققته المسيرات وكان سيعجز الحشد بذات الأعداد الكبيرة في "ساحة الإرادة" عن تحقيقه؟ هل الهدف حقاً، كما هو معلن على الأقل، إيصال رسالة الرفض لتغيير آلية التصويت، وهو ما أومن بأنه كان ممكنا من خلال "ساحة الإرادة"؟ أم كان الهدف هو فرض إرادة الحراك الشعبي على السلطة الرافضة للمسيرات والذي هو صراع آخر مختلف تماماً؟! هذا سؤال مستحق لابد من الإجابة عنه، خصوصا أن الحراك الشعبي بدأ اليوم يتساءل في داخله حول الخطوة القادمة، وهل ستكون مسيرة أخرى وكر وفر ومواجهات لا داعي لها مع سلطة اتجهت للحل الأمني بشكل غير مسبوق وطائش، أم أنه سيكون حشداً في "ساحة الإرادة" وخطابات، وهو ما لا تمانعه السلطة على حد زعمها؟! طرحت هذا السؤال لأن الجنوح إلى المسيرات والخروج من دائرة الاعتصامات في "ساحة الإرادة" قد خلق خلافاً ما بين أبناء الحراك الشعبي المعارض أنفسهم، وليس أوضح مثالاً على ذلك من غياب رمز المعارضة الأكبر أحمد السعدون عن هذه المسيرات، والذي يعطي الحق لكل من هم دونه، بمكانتهم السياسية، أن يتمثلوا به.وفي الكفة الأخرى، والسؤال هنا للسلطة، ما الذي تخشاه السلطة من هذه المسيرات في الحقيقة؟ ولنتصارح فنحن ندرك أن الموضوع يتجاوز المحافظة على القانون، وهو المختلف في تفسيره أصلاً، وعدم تعطيل مصالح الناس لأننا رأينا كيف أن قوات الأمن هي التي عطلت مصالح الناس، وعرقلت حركة المرور من خلال تصرفاتها في المسيرتين الماضيتين. لذلك فلنسأل مباشرة، هل المسألة هي دفاع عن الهيبة والرغبة في كسر شوكة المعارضة وعدم إعطائها الفرصة لتفوز بهذه الجولة من الصراع؟ أم أن القلق يتجاوز ذلك إلى الخوف من أن الحراك الشعبي قد يخرج عن الإطار المتداول وصولاً إلى التهديد بإسقاط النظام؟!في قناعتي أن على السلطة أن تضع هذا الخوف جانباً، في هذه المرحلة على الأقل، لأن أقصى مطالب الحراك الشعبي كما نشاهد، بالرغم من كل هيجانه الظاهر وكره وفره ورغبته بالتصعيد شكلياً، لا يتجاوز العودة إلى نظام الأصوات الأربعة، وحتى تلك المجموعة الصغيرة الواضحة جداً في مطالبتها لقيام النظام الديمقراطي الكامل والحكومة المنتخبة ورئيس الوزراء الشعبي والأحزاب وغيرها، تطالب بأن يكون ذلك من خلال القنوات الدستورية السلمية عبر المسار الزمني الموضوعي في البرلمان نفسه. بل حتى أولئك النواب الذين اتهموا السلطة بالاستعانة بقوات الدَرَك الأردنية بصفقة مليارية لقمع المسيرات، وعلى الرغم من أن اتهاماً كهذا، لو كان يستند إلى أدلة حقيقية، يفترض أن يرفع من سقف المطالبات عالياً لأنه أكثر تجريحاً لكرامة الأمة والوطن ومقدراتها من مسألة تغيير آليات التصويت الانتخابي، وهي المتنازع حول مدى دستوريتها باتفاق الجميع، ومع ذلك ما زالت كرامة الوطن والشعب عند أولئك النواب متوقفة عند ذات المستوى البسيط، وهو استعادة الأصوات الانتخابية الأربعة لا أكثر.التمسك بالنظام مجمع عليه بين الكويتيين، بل إن شباب المسيرات يسيرون وهم يحملون صور سمو الأمير في تجمعاتهم، مما يفترض أن يرسل رسالة واضحة لا لبس فيها أن الناس لا يزالون يتمسكون بهذه الأسرة وبهذا النظام حتى الرمق الأخير، بل ينبذون ويواجهون بقسوة كل من يخرج عن ولائهم هذا، وبالتالي فعلى السلطة أن تستثمر ذلك إيجاباً، وأن تدرك أنها ليست بحاجة إلى استعراض الولاء الشعبي من خلال مهرجانات التأييد واستقبال المواطنين للسلام لإثبات الولاء، لأن هذا ثابت ومفروغ منه، ناهيك عن حاجتها إلى استعراض قدراتها الأمنية الباطشة.إن اللجوء إلى الحلول الأمنية القاسية من قبل السلطة في مواجهة المسيرات هو ما سيخل بالمعادلة المجتمعية في واقع الأمر، وهو ما سيضر بالعلاقة الوثيقة بين الحاكم والمحكوم، وبين أسرة الحكم والشعب الكويتي، وبين النظام وعموم الناس، ولذلك فمن الخطأ البالغ أن تنجرف السلطة نحو ذلك، وتستسهله لأنه قد يحيق بها في النهاية.خلاصة القول، ولاء الشعب الكويتي ثابت لهذا النظام وهذه الأسرة، ومطالباته مهما بلغت حدتها، فلا يتصور أي أحد من الكويتيين لها مساراً إلا من خلال القنوات الدستورية التي سنظل نؤمن بأنها صمام أمامنا جميعاً، فليطمئن النظام من ناحية شعبه الذي لا يزال يحبه. وكذلك على الحراك الشعبي أن يتوقف عن هذا الاندفاع ليسترجع أنفاسه ويتمالك أعصابه ويركز أفكاره، وأن يعود إلى "ساحة الإرادة" ويمارس حريته الديمقراطية هناك، وكذلك من خلال أدوات مؤسسات المجتمع المدني والإعلام ليوصل كل ما يريده من رسائل ومطالبات، وقد علمنا التاريخ أن من يصمد ويصبر يظفر في النهاية.
مقالات
تساؤلات ملحة تبحث عن إجابات!
08-11-2012