ثمة تشابه بارز في خلفية الرئيس التنفيذي السابق لشركة "انرون" كن لاي، والرئيس التنفيذي السابق لمؤسسة "كاتربلر" جيم اوينز. فقد ولد الرجلان بفارق يقل عن سنتين وتربيا في عائلتين حيث الأموال نادرة، ودخلا مدارس عامة وعملا في العديد من الوظائف لمساعدة عائلتيهما، ثم التحقا بجامعات حكومية وحصل كل منهما على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد قبل أن يحتلا موقع رئيس تنفيذي لاحدى الشركات المدرجة في قائمة فورتشن 500.
وبينما كان التشابه جلياً وبارزاً في الخلفية والمنصب والتعليم والفرص القيادية، كان الفارق متميزاً تماماً. وبشكل محدد حقق اوينز نجاحات عديدة من خلال التعلم من أخطائه ومن أخطاء الآخرين. وفي سنة 2001 حاول لاي إخفاء أخطائه وأخطاء الآخرين ونتيجة لذلك فقد هبط من القمة إلى أحد أسوأ القادة الكارثيين في تاريخ الشركات الأميركية.وفي مطلع الثمانينيات من القرن الماضي شغل اوينز منصب المدير المتوسط المستوى في كاتربلر، ويستذكر: "بدأت الاهتمام عن كثب بالأسباب التي تقف وراء الأخطاء التي لحقت بالشركة". وكانت كاتربلر تخسر يومياً خلال ركود ثمانينات القرن الماضي ما يصل الى مليون دولار. وقد أدى الانتباه الذي أولاه اوينز لأخطاء الآخرين خلال تلك الفترة الى منحه قدرة استراتيجية أثناء الركود الاقتصادي الدولي في الأعوام 2008 – 2011، وهي القدرة الاستراتيجية التي مكنته من تحقيق نجاح كبير ووضع كاتربلر ضمن مجموعة مختارة جداً من الشركات التي قال وول ستريت عنها انها اجتازت الركود من دون ضرر بشكل نسبي.قصة اوينز ليست فريدة من نوعها. فقد وجدنا نظرية مشتركة بين أكبر قادة الصناعة: جاءت أكثر دروسهم أهمية من خلال التجربة والخطأ. ولسوء الحظ لا يعمد العديد منا إلى التجربة خشية ارتكاب الخطأ.الأخطاء جزء من خوض مجازفة سليمة، وهي تزودنا بطرق جديدة من التفكير وتعطينا نظرات معمقة إزاء كيفية تحسين دورنا كقادة، والفشل الحقيقي لا ينجم عن ارتكاب أخطاء بل من تفاديها بأي ثمن ممكن، من الخوف من المجازفة الى العجز عن النمو. الخلو من الأخطاء ليس نجاحاً، وفي حقيقة الأمر فإن ذلك ليس ممكناً، وعلى الرغم من ذلك فاننا غالباً ما نتحاشى المجازفة ونتجاهل أخطاءنا، بل نعمد في بعض الأحيان إلى إخفائها. ونحن لا نريد التحدث عن أخطائنا ولفت الانتباه إليها، غير أن ذلك يفضي الى تعطيل النمو ويدفعنا الى تكرارها.نحن نتعرض للتقييم من خلال جودة أدائنا في أعمالنا، والشركات تدفع الى موظفيها سعياً وراء النجاح وليس الفشل، وكلما كانت مراجعة الأداء أفضل كوفئنا بقدر أكبر. وعلى أي حال تميل تلك المراجعة الى مكافأتنا على نجاحنا في الأجل القصير وتعاقبنا على أخطائنا في الأجل القصير. ويندر أن يتعرض أحد الى مراجعة أداء تستمر عدة سنوات، والنمو الشخصي الناجم عن الأخطاء عملية تطور، وهي تحتاج الى وقت، كما أن الأخطاء اليوم تلحق الضرر بتقييم أدائنا في الأجل القصير، ولذلك نحرص على إخفائها أو ما هو أسوأ، نحن نتفاداها ببساطة من خلال "اللجوء الى الأداء الآمن".قال توماس اديسون: "أنا لم أفشل فقد عثرت على 10000 طريقة غير ناجحة". هل تظن انه كان سيتمكن من الاستمرار في البيئة المؤسساتية اليوم؟ نحن أوجدنا منصة تقييم حيث يحتفل بالنجاح ولا يحتفل بالفشل. وعلينا أن نتذكر أن الفشل ليس خياراً ولتحقيق النجاح في هذه البيئة لا يمكنك ارتكاب أخطاء وإذا أخطأت فقد تضطر إلى إخفاء الخطأ أو إلقاء اللوم على شخص آخر بغية تفادي أي عواقب سلبية.ثقافة الكمالالخوف من الفشل لا يقتصر على مراجعات الأداء، وتعمل كل ثقافتنا على تقييم الكمال. ومثل أطفال قيل لنا إن الممارسة تفضي إلى الكمال، وتعلمنا أن ارتكاب الأخطاء مسألة سيئة وان علينا دائماً أن نلون في داخل الخطوط وتعلمنا أن النجاح يتطلب السعي الى الكمال الذي يعتبر أحد أكبر عوامل الردع إزاء التعلم من أخطائنا. ونحن نتشبث بقوة بفكرة اجتناب الفشل الى درجة تمنعنا من التحرك الى الأمام.والشركات التي تخلق ثقافة تدفع الموظفين الى بلوغ الكمال لا تشجع على المجازفة ما يفضي الى خفض مستويات الابتكار والإبداع، وإذا ركز الموظف بشدة على النجاح وعلى القلق من الفشل فسوف يتوقف عن التعلم وبالتالي عن النمو.وقد تسقط عن سلم المؤسسة عدة مرات قبل أن تفقد قدرتك على الصعود تماما وكلما ارتفعت أكثر كان السقوط أشد حدة، وهنا تبدأ محاولتك "الفوز" بأي ثمن حتى وإن كان ذلك يعني إخفاءك الأخطاء وتوجيه اللوم إلى المرؤوسين... وحتى الكذب كما كان الحال مع كين لاي. وعند مستويات معينة لا يكون الفشل خياراً، وعلى الرغم من ذلك فنحن في حاجة إلى الفشل من أجل بلوغ النجاح، وهذه مفارقة الفشل. * فاست كومباني
اقتصاد
قراءة متمعنة في استراتيجية إدارة الشركات
13-10-2012