إصلاح بلا مصلحين
بعد دراسة مستفيضة للحالة الصراعية بين نواب وحكومة منذ الاستقلال، اتضح لنا أن المعادلة الثنائية القائمة على النواب والحكومة هي معادلة فاشلة، وأنه لابد من إضافة عناصر جديدة في المجتمع لإيقاف الهدر والخراب الذي نحن له سائرون. فإن استثنينا أنماط الصراع الشخصاني البحت، يتضح لنا أن موضوعات الصراع أغلبها تدور في قضايا الفساد وحقوق الإنسان بعموميتها والانتخابات. وبالتالي فإن أحد أهم مداخل الإصلاح يتمثل في إنشاء ثلاث مؤسسات مستقلة، وهي هيئة النزاهة أو مكافحة الفساد، والثانية هي المفوضية المستقلة للانتخابات، والثالثة هي اللجنة المستقلة لحقوق الإنسان، وهي مشروع قديم منذ التسعينيات.إن إنشاء الهيئات الثلاث سيؤدي في الغالب إلى تخفيف حالة الصراع بين النواب والحكومة، ويزيح أعباء من على كواهلهم، ويقلل انشغالهم بالتوافه من الأمور، حيث سيكون الاهتمام بتلك القضايا من صميم عمل تلك الهيئات المستقلة، التي ستمثل المرجعية الأساسية، وبالتالي فعلى كل نائب أن ينقل رأيه للهيئات، كل في مجاله، لتتولى المتابعة بشكل مستقل، وحالما تصل إلى نتائج يصبح حينها للمجلس الحديث بطريقة مسؤولة. لا بالطريقة السائدة حالياً.
وبحسب ما أبلغني عدد من النواب فإن الأمور تسير في اتجاه إنشاء تلك الهيئات، بدءاً بهيئة مكافحة الفساد، تلحقها مفوضية الانتخابات، وآخرها لجنة حقوق الإنسان، وهي الأقل أهمية عند النواب، كما يبدو للأسف.إذاً أين المشكلة؟ تكمن المشكلة في تبعية هذه الهيئات، التي استقر الأمر على أن تكون ملحقة برئاسة الوزراء، وهي مسألة تحتاج إلى مراجعة. الحجة التقليدية في المسألة ترتكز على أنه لابد من أن تتبع أي جهة لإحدى السلطات الثلاث، قضائية أو تشريعية أو تنفيذية، وهي حجة يكررها خبراء دستوريون بحاجة إلى مراجعة تطور المفاهيم الدستورية، والخروج من الجمود التقليدي الذي يعيشون فيه. فمجلس الأمة في الكويت به تداخل بين السلطتين يخل بمفهوم استقلالية السلطات مهما حاول المبررون تبريرها. فكيف قبلنا بوجود أعضاء في مجلس الأمة بموجب تعيينهم وعددهم ١٦ وزيراً باستثناء المحلل بالضرورة؟ أسئلة لا إجابة منطقية عليها في إطار فصل السلطات. ويطرح السؤال نفسه في حالة تبعية الهيئات لرئيس الوزراء فهل يحق في هذه الحالة أن يقوم نائب معترضاً على إحدى الهيئات ويستجوب رئيس الوزراء مثلاً؟ فأين الاستقلالية المزعومة في هذه الحالة؟ قيل لي رداً على ذلك إن التبعية شكلية، فإن كانت كذلك، فما جدوى تلك التبعية من الأساس؟إنشاء تلك الهيئات وربما غيرها، وتقوية المجتمع المدني، باتا ضرورتين لا مفر منهما إن أردنا استقرار المجتمع الذي فشلت الحكومة والنواب في العمل على استقراره، إلا أن ذلك سيبقى مشروطاً بجدية المقترحات، وتحديد تبعية تلك الهيئات، بما يضمن استقلاليتها ونزاهتها، وليس رغبة في إثبات الوجود ليصبح من يزعم إصلاحاً إنما يقوم بذلك رفعاً للعتب ليس إلا. نحن في مجتمع مهزوز ومرتبك ويعاني أمراضاً كثيرة تنعكس على الحالة غير المستقرة سياسياً، فإن أردنا الخروج من المأزق الراهن صار علينا لزاماً أن نؤسس تلك الهيئات بمرجعيتها الصحيحة أو وضع الضمانات المكتوبة باستقلاليتها، وإلا فإننا لن نكون أفضل من الذي استجار من الرمضاء بالنار.