مدينة بلجرشي هي بلدة صغيرة في أقاصي غرب جنوب السعودية، لكنها استطاعت أن تدخل التاريخ يوم أمس عبر قصة مدوية تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي والصحف العربية بل ربما وكالات الأنباء، وبطل القصة هذه المرة هو عميد كلية العلوم والآداب، الذي قرر أن يقوم بمعركة جهادية مدوية تشبه عمليات الحزام الناسف لكن بدون دم. والقصة بدأت حين اكتشفت كلية العلوم والآداب موهبة طالبة صغيرة تعشق الرسم، تم التغرير بها وتشجيعها من قبل زميلاتها لتعرض لوحاتها ضمن معرض شخصي في كليتها، وزاد الحماس لها، بأن أصرت الموظفة المسؤولة عن الأنشطة في الكلية على التباهي بهذه الموهبة أمام عميد الكلية ودعوته إلى افتتاح هذا المعرض في اليوم الأول، وخاصة أن العثور على فنانة تشكيلية في بلدة صغيرة هو من عمل الحفريات الذي يستحق الاحتفاء.  

Ad

العميد جاء لافتتاح المعرض-  في يوم الرجال الذي لا يحضره نساء - لكن مع سبق إصرار وترصد لخوض معركة جهاد ضد الفن وأهله، فقد مشى على اللوحات لا متأملاً بل ممزقاً للوجوه السافرة  لوجوه الفتيات في اللوحات ووصفها بأنها تخدش الحياء والقيم والثوابت - ربما كان لزاماً على الطالبة أن تغطيها في يوم الرجال - العميد وبعد أن أنهى مهمته الجليلة وقف أمام دفتر الزوار ليقول حكمته التي قد لا تتضح من خلال تمزيق اللوحات وكي يشرح هدفه من تمزيق اللوحات. "ارتقي بالمجتمع". ولاشك في أن طريقته هو في الارتقاء فوق وجه اللوحات وموهبة الطالبات كانت الطريقة الجلية لشرح سبل الارتقاء بالمجتمع.

لكن الخطة الرباعية للمبعوث الرسمي للكلية لم تنته، فقد كانت الخطوة التالية هي بعث رسالة إلى هاتف مسؤولة الأنشطة التي قد تكذب خبر أن من مزق لوحاتها هو العميد وتصدق شائعات مثل أن تنظيم القاعدة هو الذي مزق لوحاتها. قام العميد بإرسال اعتراف ضمني بفعلته بلغة مسؤول قدير يواجه ولا يهرب، تقول هذه الرسالة "مزقت اللوحات خلها تسامحني". و"خلها" هنا هي على ما يبدو فعل أمر لا فعل رجاء. لكنه معذور فهو العميد وهي الطالبة. في هذه  القصة نحن لسنا بصدد تهور شاب تم غسل مخه بحكايات الرسم الحرام والفن التشكيلي المخرب لقيم المجتمع، بل بصدد عميد مسؤول لا يمثل نفسه بقدر ما يمثل وزارة التعليم العالي التي تشتهر بحرصها على إقامة معارض للفن  التشكيلي في الخارج قبل الداخل ضمن دورها الثقافي العالي والتدليل على الوجه الحضاري لها، إلا إذا كانت كلية العلوم والآداب بسبب بعدها الجغرافي قد استقلت عن وزارة التعليم العالي وفتحت لها فرعاً لتعليم يطأ وجوه اللوحات من باب الارتقاء بالمجتمع.