بيولوجيا الترف

نشر في 07-12-2012
آخر تحديث 07-12-2012 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت على الرغم من الأزمة الاقتصادية العالمية، فإن المبيعات من السلع الترفية والكمالية لا تزال في ارتفاع في مختلف أنحاء العالم. ولكن ما السبب وراء هذا؟ على الرغم من مساهمة فنون التسويق في هذا الارتفاع فإن نمو سوق السلع الترفية يرجع في حقيقة الأمر إلى علم الأحياء.

كانت المناقشات حول بنية الفكر الإنساني خاضعة لفترة طويلة لرؤية ترجع إلى عصر التنوير مفادها أن الواقع يتألف من أربعة عناصر: المكان، والزمان، والمادة، والطاقة، ولكن في الآونة الأخيرة، أضيف إلى المناقشة عنصر خامس: المعلومات، فقد تبين أن المعلومات تشكل أهمية حاسمة في فهم الدوافع الأساسية لاستهلاك السلع الترفية، وبالتالي القدرة على توقع مستقبل سوق المنتجات الترفية.

إن الكائنات الحية تتواصل، والمعلومات التي تتبادلها تشكل واقعها، وفي حين تستخدم الحيوانات استعراضاً ملوناً مزخرفاً وسلوكيات معقدة تدلل بها على لياقتها وقوتها، فإن البشر يستخدمون السلع الترفية لاستعراض صحتهم الاقتصادية.

ولكن شراء السلع الترفية، بعيداً عن أنه رمز، من الممكن أن يشير إلى النجاح في المستقبل، نظراً للميزة الانتقائية التي يوفرها الاستعراض، ففي الطبيعة يؤدي المتنافسون، فيكون الفوز لصاحب المشهد الأكثر قوة وإقناعاً وجمالا.

ويكون الأداء مهمة الذكور بين أغلب الحيوانات، فذكور الطيور على سبيل المثال تحمل عادة ريشاً، ذا ألوان زاهية أو زوائد معقدة، مثل الذيل الطويل لدى ذكر طائر القيثارة الأسترالي.

ونتيجة لهذا، فسر البعض الاستعراض التنافسي باعتباره وسيلة لإثبات اللياقة للرفيقة المحتملة. والطائر الذي ينجو، على الرغم من الريش الملون غير المريح الذي يعمل على إبطائه أو يجعله مرئياً بوضوح للحيوانات المفترسة، فلابد أن يكون لائقا، ومن المرجح أن تكون ذريته سليمة الصحة.

ولأن الإناث تتحمل العبء المادي في عملية إنتاج الذرية، فإن المظهر غير البارز يصبح أكثر نفعا- وبالتالي أكثر شيوعا- في الطبيعة، ولكن البشر مخلوقات اجتماعية ولا تلاحقهم حيوانات مفترسة، لذا فإن المنافسة بين الإناث أكثر شيوعا، والأداء الاستعراضي بينهن أكثر ترجيحا. ورغم أن المظاهر البصرية للثروة سائدة بين الجنسين، فإن مظهر النساء يكون عادة أزهى وأكثر إشراقا (وأكثر خضوعاً للتمحيص والتدقيق).

ولكن الاستعراض الفعّال مكلف، فاكتساب الريش الملون المعقد النابض بالحياة يتطلب قدراً كبيراً من الطاقة والموارد الجينية (الوراثية). والجينات يصعب الحفاظ عليها، وتتطلب عمليات تصحيح دقيقة وكثيفة الاستهلاك للطاقة، فكما تؤدي الكتابة بسرعة أكبر مما ينبغي إلى أخطاء إملائية تشوه النص وتحرفه، فإن التغيرات السريعة في الجينوم قد تؤدي إلى تقويض سلامة النوع.

وعلى نحو مماثل، يتطلب شراء السلع الترفية موارد مالية كبيرة. وتملي هذه التكلفة التأثير التنافسي للاستعراض، وفي عالم اليوم القائم على المعلومات، لا يكون الانتقاء فعالاً إلا بالحصول على المظهر اللافت بثمن باهظ، وهذا الثمن معروف.

على سبيل المثال، يبدو مظهر النساء اللائي يستخدمن مستحضرات تجميل معروف عنها أنها غالية الثمن أكثر صحة، وأكثر تألقا، وأكثر جاذبية من النساء اللاتي لا يستخدمنها. وهذا ليس نتيجة للكفاءة (فمستحضرات التجميل الأكثر فعالية تصبح في الكثير من الأحيان عقاقير دوائية صيدلانية)، بل إن هذا يشير إلى نمط حياة يعلي من شأن الحفاظ على الجمال والشباب. ومستحضرات التجميل، مثلها في ذلك كمثل كل المنتجات الترفية، لا تكتسب فعاليتها من عملية إنتاجها، أو حتى من شرائها، بل من ظهورها بوضوح.

والواقع أن المنتج العالي التكلفة الذي لا يحمل ملصق تسمية أو خصائص محددة يخلف تأثيراً تنافسياً أقل من المنتجات المعروفة أو التي تحمل علامة تجارية مشهورة، ولكي تؤدي السلع الترفية وظيفتها، فإن المجتمع المحيط لابد أن يكون على دراية بتكلفتها. وكانت هذه هي الحال بدرجات متفاوتة على مر التاريخ، وهو ما يؤدي في بعض الأحيان إلى نشوء فقاعات الأسعار.

وتعمل المعلومات الكاذبة، مثل السلع المقلدة، على تعريض عملية الانتقاء القائمة على المنافسة للخطر. فالحيوانات تستخدم المحاكاة عادة للاستفادة من معرفتها بقوة الحيوانات الأخرى، أو خوفها منها. فمن خلال تقليد حيوان يتمتع بميزة وقائية معروفة، قد يتمتع الحيوان الأضعف بفوائد الانتقائية من دون تكاليف.

ولكن نجاح المحاكاة في الطبيعة يعتمد على نسبة الأصل إلى التقليد، فإذا كان المتاح لدى الطرف المحاكي أقل كثيراً من المتاح لدى الطرف الأصلي، فإن الصورة العامة تفقد أهميتها، وتتبدد قيمتها كوسيلة للحماية.

وعلى نحو مماثل، لا أحد يستطيع أن يعرض رمزاً للثروة إذا كان شائعا، وعلى هذا فإن تقييم ما إذا كانت السلع الترفية سوف تحافظ على تأثيرها، وبالتالي جاذبيتها، يتطلب رصد مدى التزييف الذي قد تحتوي عليه.

ولأن السلع الترفية تزود الأفراد بميزة تنافسية، فإن ارتفاع مبيعات السلع الترفية من الممكن أن يشير إلى مستقبل اقتصادي أكثر إشراقاً لبلد ما. وفي وقت الأزمات، تشكل الدول التي تلعب فيها السلع الترفية دورها الانتقائي بفعالية المواقع الأكثر أماناً للاستثمار الإنتاجي.

* أنطوان دانشين ، أستاذ فخري في كلية الطب بجامعة هونغ كونغ، ورئيس شركة "أمابيوتيكس ساس".

 «بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top