شدد الزميل بشار الصايغ على أن أخطر أنواع الرقابة هي وصاية نواب مجلس الأمة على المجتمع، مشيرا إلى تدهور الأوضاع الفنية والثقافية راهنا، بسبب سيطرة القوى الدينية على مفاصل الدولة، وقال د. ساجد العبدلي إن الرقابة ليست أزمة فكرية بل سياسية، مستغربا غياب المشروع الثقافي من أجندة السلطتين التنفيذية والتشريعية.

Ad

جاء ذلك ضمن حوار مفتوح نظمه معرض الكويت للكتاب في نسخته الـ37، والذي تمحور حول «الرقابة ووسائل الاتصال»، وأدار الحوار الكاتب أحمد الحيدر.

أزمة قراءة

بداية، أكد د. ساجد العبدلي أن إشكاليات الرقابة تطل برأسها في كل عام مع معرض الكتاب، ويتم تسليط الضوء على منع الكتب، بينما الحظر مستمر على مدار العام، معتقدا أن ثمة أزمة قراءة يعانيها المجتمع، كما ان القراءة ليست الوسيلة الوحيدة للتحصيل المعرفي.

وبين العبدلي ان الرقابة مرت بثلاث مراحل، بدءا من عهد الحدود الجغرافية، إذ كانت تتم مصادرة بعض العناوين المحظورة في المنافذ الحدودية، ثم مرحلة الإنترنت الذي أخل بمقص الرقيب كثيرا، ومرحلة وسائل التواصل الحديثة التي أسقطت هذه السلطة الرقابية، ولم تعد نافذة وممارستها لفرد العضلات.

واشار إلى أن قضية الرقابة ليست أزمة فكرية بل سياسية، كما أن النظام الشمولي يكره الثقافة لذلك يود أن يكون الشعب في «غيبوبة»، مستغربا تجاهل بعض المؤسسات التربوية والثقافية والمجتمعية القضايا الثقافية، «إذ لا تجد هذا القلق على مصير الناشئة، فلا ننمي فيهم بعض الأمور التي تدفعهم إلى ممارسة حياتهم المقبلة بسهولة، فنغفل قضايا مهمة كالقراءة والحوار والنقاش وقبول الآخر، وآسف لما يجري راهنا، إذ أفرغت جل القضايا من محتواها إلى أن أصبحت تسير ضمن الصراع السياسي والمماحكة السياسية».

وعن تأثير قرارات المنع على المشهد الثقافي، اوضح أن ثمة كتابا يأملون أن تمنع الرقابة إصداراتهم بحثا عن المزيد من الشهرة والمال، مؤكدا أن هذه القرارات تخضع للمزاجية والأهواء الشخصية.

معاقبة قانونية

واقترح العبدلي تغيير الآلية الراهنة للعمل الرقابي، مشيرا إلى ضرورة اعتماد الرقابة اللاحقة، وفي حال تجاوز الكاتب أو الناشر الضوابط الرقابية يعاقبه القانون، مضيفا: «خلال التجول في معرض الكتاب وجدت مجموعة إصدارات كانت في السنوات السابقة ممنوعة لكن اليوم لا أحد يبحث عنها».

وعن غياب المشروع الثقافي، أشار إلى ضرورة تبني النواب أو الحكومة مشروعا ثقافيا متكاملا يساهم في رفع الوعي المجتمعي، وتثقيف الناس، تحقيقا لمزيد من التطور والنمو، داعيا إلى مجابهة الفكر بالفكر وليس باتخاذ قرار يضر أكثر ما ينفع، متسائلا: «لماذا لا نحصن أبناءنا ضد التلوث الثقافي من خلال المناهج التعليمية؟».

قضية سياسية

من جانبه، أكد الزميل بشار الصايغ أن سلطة الرقابة لم تعد سارية المفعول عقب انتشار وسائل الاتصال الحديثة، وتفاعل معظم شرائح المجتمع مع هذه التقنية المتطورة، مشيرا إلى أن كل العناوين المحظورة من التداول في الكويت متوافرة عبر الشبكة العنكبوتية، مدللا على تلاشي أداة الرقابة بعدم تنظيم اعتصام مناهض لها يتزامن مع معرض الكتاب.

وبين الصايغ أن ما يجري من تفعيل للرقابة راهناً يعد استعراضاً للعضلات فحسب، معتبرا أن قضية الرقابة وإشكالاتها سياسية صرفة، بسبب ما ينعكس على أداء السلطة التشريعية بشأن قضية المنع أو الإجازة، ووفقاً لقناعة النائب وتحريض بعض الجهات الأخرى، تنتقل هذه المشكلة الثقافية إلى أروقة السياسة ويبدأ الصراع بين المجلس والحكومة بهذا الصدد، ويتم التهديد بالاستجوابات كما ترتفع نبرة الخطاب.

واستذكر مطالبة أحد النواب باستجواب وزير الإعلام في حال السماح بدخول الشاعر معروف النصافي إلى الكويت، لكن النائب لم يكن يعرف أن الشاعر توفي عام 1938.

وعن الوضع السياسي، أكد أن الرقابة السياسية راهنا في أوجها، إذ تعتقل السلطات من يعبر عن رأيه في «تويتر»، لافتا إلى أن القانون ينظم الحريات ولا يمنعها، معتبرا أن الرقابة الابن العاق للقانون. وحول حقبة الستينيات، اوضح أن تلك الفترة لم تكن التيارات الدينية أحكمت قبضتها على مفاصل البلد، لذلك كانت مجالات الثقافة والفنون والمسرح تشهد ازدهارا.

أخطر الأنواع

وعن أخطر أنواع الرقابة، حذر الصايغ من استشراء الرقابة النيابية أو الشعبية، مستغربا تحول ممثلي الأمة إلى رقباء يتشبثون بمقص الرقيب، ويمارسون دور الوصاية على المجتمع، مؤكدا أن هذا النوع من الرقابة أشد خطراً وضراوة، لاسيما أن الرقابة الحكومية يمكن تخطيها، فإذا تم منع كتاب معين من التداول، يستطيع القارئ الحصول عليه عبر وسائل أخرى، «أما الرقابة الشعبية فأصبحت تتدخل في رغباتنا الشخصية محددة لنا ما نقرأ وما نشاهد».

وأضاف: «من يطالبون بالحريات وحرية التعبير هم الذين منعوا دخول بعض الشخصيات إلى الكويت، وفرضوا بعض الأمور المناهضة للحريات، وأعتقد أن الرقابة أصبحت أداة لتحقيق بعض المصالح الشخصية، وإرضاء التيارات السياسية».

وأسف الصايغ لعدم التحلي بالشفافية، وتفشي فكرة إقصاء الآخر في المجتمع، مؤكداً أن ثمة أمراضا يعانيها المجتمع تتمثل في التعصب المقيت والتطرف في الطرح والفكرة.

وبشأن مستوى معرض الكتاب، أشار إلى تراجع مكانته لدى القراء، فالمتجول في أجنحته لا يجد ما يغذي احتياجاته الفكرية والمعرفية، بل يشاهد الكثير من كتب فنون الطبخ، كما ان الكتب السياسية المهمة ليست موجودة في المعرض، مبينا أن الشعب الكويتي يحب القراءة رغبة في الاستفادة والاطلاع، معتبرا أن قرارات المنع تدفع القارئ إلى اقتناء الكتاب تحقيقا لرغبة ذاتية كرد فعل على فعل غير مسؤول.