وجهة نظر: التمعن في ما قاله هاني حسين!
في حفل افتتاح مركز الحقل الذكي المتكامل في شركة نفط الكويت، قال وزير النفط هاني حسين إن متوسط إنتاج الكويت الحالي من النفط الخام يدور في فلك الثلاثة ملايين برميل يومياً، وإن هذا الإنتاج سوف يزيد في غضون العامين المقبلين إلى 3.2 ملايين برميل، وذلك دون حساب حصة الكويت من إنتاج المنطقة المقسومة.كل ما أتمناه ألا يحمل أحد هذه التصريحات أكثر مما تحتمل، وألا تفتح شهية البعض تجاه رفع سقف المطالبات غير الرشيدة بزيادة الإنفاق الحكومي الجاري المتضخم على بند الرواتب والأجور أو الإنفاق على بند دعم السلع والخدمات المتضخم بدوره هو الآخر، أو المطالبة بتدخل المال العام لشراء المديونيات المتعثرة سواء من قبل الشركات أو الأفراد.
ولكي نضع تصريحات الوزير في سياقها الصحيح فإن حجم الإنتاج الكلي المتوقع من النفط الخام عام 2015، بعد اضافة نصيب الكويت من انتاج المنطقة المقسومة وهو في الوقت الحاضر 257 ألف برميل في اليوم، سيكون أقل من 3.5 ملايين برميل يومياً. وإذا أخذنا في الاعتبار أن حجم الطلب المحلي على منتجات النفط والذي يقدر بنحو نصف مليون برميل يومياً عام 2015، وهو معدل ينمو بنحو 3 في المئة سنوياً، فان النفط المتبقي لأغراض التصدير سواء كنفط خام أو منتجات مكررة يقل عن 3 ملايين برميل يومياً. ويتوقف حجم ما يمكن للكويت أن تصدره من هذا النفط ومشتقاته على حصتها من سقف إنتاج المنظمة الذي يبلغ نحو 2.2 مليون برميل يومياً، كما يتوقف على سعر برميل النفط الخام في السوق الدولي الذي لا يمكن بالطبع أن نضمن محافظته على مستواه الحالي البالغ نحو 110 دولارات لبرميل النفط الكويتي وهو مستوى متحقق في ظل ظروف جيوسياسية استثنائية مرشحة للتبدل وقد لا تتكرر.منظمة أوبك متعددة الأطياف والأهواء والمصالح والرؤى، ولا تولي اهتماما كافيا، أو لنقل لا تستطيع أن تولي اهتماما كافيا في الوقت الراهن بمسألة تجاوز أعضائها لحصص الانتاج المقررة، وما ينشر عبر مصادر مختصة مختلفة عن وصول حجم الانتاج الفعلي لدول المنظمة الى ما يزيد على 32 مليون برميل في اليوم أي أعلى من سقف انتاجها المعلن بنحو مليوني برميل في اليوم ليس سراً. ولكن المنظمة تدرك محدودية الأثر الحالي لهذه التجاوزات على أسعار النفط الخام وعدم قدرة الفجوة السائدة بين العرض والطلب على تغذية ضغوط تراجعية ملموسة في هذه الأسعار، التي مازالت وبالأخص منها أسعار الخامات المتوسطة والثقيلة متماسكة فوق حد المئة دولار، وهو ما اعتبره هاني حسين يوم أمس الأول مرتفعا نسبيا واعتبره وزير البترول السعودي علي النعيمي يوم الثلاثاء الماضي شديد الارتفاع. لكن تماسك الأسعار يعود الى عوامل وقتية غير ثابتة، ومن ثم غير صالحة لكي تبنى عليها لا الرؤى الاستراتيجية للدول ولا قرارات الإنفاق الاستهلاكي التي ترهن مصير الجيل الحاضر ومستقبل الأجيال المقبلة بدرجة عالية من المخاطر. تماسك الأسعار يعود في جزئه الأكبر إلى حالة عدم الاستقرار السياسي السائدة في هذه المنطقة الأغنى بمخزونات النفط، وإلى تأثر معدلات الإنتاج في ثلاثة على الأقل من البلدان الرئيسية المصدرة للنفط وهي إيران والعراق وليبيا، وهو ما سمح للدول الأخرى في "أوبك" بتجاوز حصصها لتعويض النقص في القدرات التصديرية لتلك الدول، وهذه حالة قد تتغير في السنوات المقبلة. أما العامل الثاني فيتعلق باستمرار حالة عدم اليقين المتصلة بمستقبل اقتصادات الدول الأوروبية في ظل أزمات ديونها السيادية من جانب وتأرجح مؤشرات تعافي الاقتصاد الأميركي من جانب آخر، ومن ثم عدم القدرة على تحديد موضوعي لتوقعات الطلب المستقبلي على النفط، وفي هذا السياق كانت "أوبك" قد توقعت أن ينخفض نمو الطلب على النفط خلال عام 2013 بنسبة 20 في المئة، وهذا يشكل عاملا أساسيا من عوامل الضغط التراجعي في أسعار النفط بدءا من العام المقبل.أما العامل الثالث فهو تزايد حدة المضاربة في أسواق الصفقات النفطية الورقية والتي تشكل التقلبات السياسية بيئة خصبة لها، وهذه أيضا حالة فقاعية مؤقتة قابلة للانفجار في أي لحظة.هذه القراءة السريعة والمتواضعة تدفعنا جميعاً، أو هكذا يفترض، إلى التمعن ملياً في حقائق لا تحتمل كثيراً من الجدل، حقائق تدل في مجملها على هشاشة أسعار النفط، وتؤكد اتساع هامش تقلبات الطلب عليه في الأسواق العالمية، ومن ثم يصبح من واجبنا حيث كنا، سواء في موقع المسؤولية والقرار أو في موقع المشاهدة والتلقي أن لا نخطأ التقدير فنرهن أو نطالب بأن نرهن مستقبل البلاد ببيانات وتقديرات فيها الكثير من الهلامية والخيال.أستاذ الاقتصاد – جامعة الكويت