أم هيثم كانت أكثر حكمة من تقلبات الزمن، فحين سرق الزمن من يدها كعكة الغد، خبأت رغيف الأمس في قلبها طازجاً تتناول قطعة منه كلما شح الزاد!

Ad

هذه المرأة المسكونة بالحب والشموس..

عاشت طفولتها في بلد غير خليجي..

لا يشبه الخليج طقساً، ولا حياة اجتماعية. في ذلك البلد تتفتح وردة الحب تحت بعض الشمس.

بلد يؤرخ قصص الحب بالأغاني، وغالبا ما تكون أغاني لفيروز..

للنبع في ذاكرة أفراد ذلك المجتمع حكايات غنية بالأسرار..

للكرم خمرة معنى في ذكرياتهم، يضفّرون من أغصانه شرائط الطفولة التي تنسدل مع جدائل البنات..

ينقشون أسماء على ورق الماء.. ولا تُمحى!

تفاصيل الحياة اليومية المشتركة لديهم ممتلئة.

بالمكان، وبالرائحةالمعطّرة، وبالذاكرةالسمعية، بالناس والوجوه التي تزيّن بسمة مستعادة من ذلك الزمن.

أم هيثم عاشت بواكير عمرها في ذلك البلد..

شكّلت تلك الحياة ذاكرتها، ونحتت على جدرانها أجمل إبداعها.

حلمت كأي فتاة في حيّها بقصة حب تخبؤها تحت وسادة العمر، فتزهر أحلامها،

حلمت بحبيب تنتهي قصتها معه كما تنتهي قصص الحب في الأفلام القديمة المذيلة بعبارة «نهاية سعيدة» تملأ الشاشة.

كثيراً ما ابتسمت على وسادتها ليلا وهي تتخيّل كيف أنها زهرة مرعيّة تربّي زهرة أخرى حينما تُنجب!

الموجع أن أم هيثم تزوجت زواجا تقليديا..

ثم انتقلت إلى الخليج بعد زواجها..

في مدينة صغيرة في السعودية ومجتمع لا يشبه المجتمع الذي أتت منه..

النساء هنا يكدن يتشابهن!

لهن نفس الانفصام، نفس المساحات الصفراء في صحراء الروح، ويستخدمن جميعهن نفس العطر للنميمة، ويُرضعن أطفالهن نفسَ حليب التجربة!

خائفات دائما من شيء ما، أحياناً يبدو كالشبح،

قصص الحب تهرّب سرّاً تحت جنح الظلام!

رسائل الغرام تحملها الأوراق والأغاني التي لا تحمل مطراً ولا تنساب في حروفها الجداول!

البنات الصغيرات في هذه المدينة الصغيرة يحاك لأنوثتهن منذ وقت مبكر فستان داكن ممتلئ الثقوب، سيئ المنظر.

أم هيثم وجدت نفسها في دائرة ثابتة لا تكاد تخطو المرأة فيها، لا لتتجاوزها ولكن  لتستدير!

حاولت أم هيثم قدر حبها للحياة أن تتحرك في هذه الدائرة ما استطاعت إلى ذلك سبيلا..

كانت أم هيثم تخفي سرا في عينيها يرى أحياناً عندما تلمعان فجأة ولسببٍ غامض.

كانت تنوي توسيع مساحة تلك الدائرة ولو مساحة قدم واحدة.

اندمجت «أم هيثم» في تلك الحياة الاجتماعية ولكن ضمن شروطها الخاصة..

لم تكن ربة منزل بل امرأة عاملة..

تربّي أولادها ليعيشوا الحياة لا أن يَعبروها..

عندما تلمع عينا أم هيثم، هذا يعني أنها على وشك البوح بسرها..

وهي لا تفعل ذلك إلا عندما ترى قلبا صالحا لاحتضانه.

لذلك أم هيثم لا تملّ النظر بما تكتب القلوب، تتهجأها فجراً، وحين تجد أرضاً صالحة لبذر نصيحتها، باحت بسرّها كما فعلت حين دفنت سرّها بقلب فتاةٍ منتقاة وقالت:

«اقتلي حالك علشان الأشياء اللي تحبّيها، يمكن يجي يوم ما تلاقي أشياء تحبّيها»!!

في اعتقادي، ليس هناك أشقى من قلوب لا تجد ما تحبّه، هذه القلوب لا تمطر ولا يُنبتها المطر!