تمثل جمعية نقاد السينما المصريين حالة استثنائية بين الجمعيات المهتمة بالثقافة السينمائية في العالم العربي بأسره، وليس في مصر فحسب، فالجمعية التي تأسست في فترة حكم الرئيس «السادات» آلت على نفسها منذ اللحظة الأولى لإشهارها ألا تكتفي بالدور التثقيفي السينمائي، وإنما اختارت أن تكون جزءاً أصيلاً من الواقع المحلي والإقليمي، وهو الدور الذي نجحت فيه فعلاً طوال تاريخها، عندما تبنت دوراً تنويرياً مهماً، ولم تتوقف يوماً عن الاشتباك والتواصل مع هموم ومستجدات الأمة، بل إنها لم تُضبط يوماً متلبسة بإخفاء رأسها في الرمال أو تحني هامتها الثقافية للعواصف والأنواء السياسية، كما هي الحال مع كثير من الجمعيات السينمائية، ولم يمر حدث وطني عربي من دون أن تتواجد في قلبه وبؤرته بتعليق عاجل أو بيان حاسم صادر عن أعضائها، ومجلس إدارتها، فكانت جرأتها موضع احتفاء، وشجاعتها محل تقدير.

Ad

من هنا، كانت الصدمة كبيرة حيال ما انتهت إليه الجلسة السنوية لجمعية نقاد السينما المصريين لاختيار أفضل فيلم مصري وأفضل فيلم أجنبي عُرضا تجارياً في مصر عام 2011، فالجمعية التي عُرفت بتوجهها القومي وحسها الوطني وقعت في خطأ فادح ومؤسف للغاية، عندما صنفت الفيلم اللبناني «هلأ لوين» إخراج نادين لبكي بأنه «فيلم أجنبي»، وبدلاً من أن تُصحح الخطأ وتعود إلى جادة الصواب وتُدرك حجم ما اقترفته في حقنا كنقاد وجمهور عندما نزعت عن الفيلم الجنسية العربية، أرادت أن تجامله، وكأنها تكفر عن خطأها، فما كان منها سوى أن ارتكبت «جريمة نقدية» أكثر فداحة عندما منحته جائزة «أفضل فيلم أجنبي»، وأعلنت أنه انتزع الجائزة من الفيلم البريطاني «خطاب الملك»، الذي رُشح لاثنتي عشرة جائزة أوسكار حصل منها على أربع (من بينها أفضل فيلم وأفضل ممثل دور رئيس)!

بالطبع كان هناك من حاول تبرير ما حدث بأن جمعية نقاد السينما المصريين احتكمت إلى «قاعدة سينمائية» تقول إن «الفيلم يٌنسب إلى جنسية منتجه وليس مخرجه»، ونظراً إلى أن فيلم «هلأ لوين» إنتاج مشترك بين شركة المجموعة الفنية المتحدة وشركتي أفلام تورنيل وباتي الفرنسيتين، فإنه يُعد «فرنسي الجنسية»، حسبما اعتبرت الجمعية (!)، ولم تأبه، مطلقاً، إلى أنه صور بالكامل في لبنان، وقام على أكتاف فريق من المبدعين العرب (بطولة نادين لبكي وإخراجها، التي شاركت في كتابة السيناريو مع رودني الحداد)، مثلما لم تفطن إلى أن «هلأ لوين» شارك في المسابقات الرسمية للدورة الـ 64 لمهرجان «كان» السينمائي الدولي، التي عُقدت عام 2011، وحصل على جائزة «فرانسوا شاليه» من قسم «نظرة ما»، بالإضافة إلى تنويه من لجنة تحكيم جائزة «أوكومينيك» في المهرجان نفسه، بوصفه فيلماً عربياً، ومن ثم فإن اعتباره «أجنبياً، ينزع عنه، وعنا، هذا الشرف!

أمر منطقي، بالطبع، أن يُرشح فيلم «هلأ لوين» للفوز بأوسكار «أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية»، وأن ترشحه الجمعية القومية لنقاد السينما في الولايات المتحدة الأميركية لجائزة «اختيار النقاد» لأفضل فيلم أجنبي، لكن أن تختاره جمعية نقاد السينما «المصريين» كأفضل «فيلم أجنبي» فهو الأمر المستفز وغير المستساغ، لأنه يُكرس إقليمية بغيضة بين الأشقاء العرب، وليس السينمائيون منهم فحسب، كما يعكس نظرة «شوفينية» ممقوتة، تؤجج نار الفرقة والبغضاء، وتوسع الهوة بين أبناء الوطن العربي الواحد.

الواقعة «المؤسفة» تُعيد للأذهان ظاهرة «مرضية» أخرى تتمثل في إحجام الموزعين المصريين، نتيجة عدم تشجيع الجهات الثقافية الرسمية، عن فتح سوق للفيلم العربي في مصر، فما زال هناك، من بين الموظفين الرسميين في مصر، من ينظر إلى الفيلم العربي سواء أكان لبنانياً أم مغربياً أم تونسياً، على أنه «فيلم أجنبي»، وفي حال تسلله بأعجوبة، وتمكنه من العرض التجاري في «أم الدنيا»، يُعامل حسب اللوائح والقوانين التي تُطبق على الفيلم الأميركي(!) وكأنها خطة أو مؤامرة تستهدف تشويه وتدمير ذوق وعقل الشعب المصري الذي يتوق بمختلف طوائفه، لمتابعة المدارس والتيارات السينمائية العربية، ويود لو تعرف إلى هموم ووجوه الشارع العربي، لكن دعاة الفرقة والوقيعة والتشرذم يرفضون ويستنكرون ويجهضون أي مبادرة في هذا الاتجاه حتى لو كانت عبر أسابيع ثقافية تصل فيها الأفلام العربية بالحقائب الدبلوماسية.

المؤامرة محبوكة والتوجه الانفصالي، وتكريس الانعزالية مخطط له بعناية لدرجة أن بعض الجهات في مصر دأب على رفض أفلام عربية يوافق أصحابها من منتجين ومخرجين على عرضها في مصر مجاناً، وحجتهم المعلنة المخجلة أن «لهجتها غير مفهومة وتحتاج إلى ترجمة»!