خمسون عاماً مضت على صدور دستور الكويت في ١١ نوفمبر ١٩٦٢، ومازال صامداً كمرجعية مجتمعية على الرغم من التعديات المستمرة التي اقترفتها السلطة منذ أواخر ١٩٦٥، وكذلك بعض القوى السياسية التي تريد الخلاص منه.

Ad

وها نحن نحتفل بمرور ٥٠ عاماً، ولدينا حصيلة كبيرة من الإخفاقات التي كان سببها الرئيس محاولة التخلي عن الدستور، فقد اتضح أنه كلما تم تعطيل الدستور حدثت كوارث ككارثتي المناخ والغزو، كما اتضح لنا أنه عند حدوث الأزمات السياسية الحادة فإن الدستور يلعب دور المنقذ، وباتت نصوصه ومؤسساته روافع للمجتمع من التشرذم والتشظي، كما حدث حين تمكّن الشعب الكويتي من توحيد صفوفه على قاعدة الدستور في المؤتمر الشعبي في أكتوبر ١٩٩٠ إبان الغزو، في حين أن الحكومة كانت تحاول التنصل منه، بل كان الدستور منقذاً للأسرة الحاكمة ذاتها خلال أزمة الحكم في ٢٠٠٦.

عندما تقرر سنة ١٩٦١ أن يصبح شكل الدولة الجديدة ديمقراطياً بعد الاستقلال، كان أمام أمير البلاد حينذاك الشيخ عبدالله السالم، رحمه الله، عدة خيارات لصياغة الدستور كأن يكون منحة من الحاكم مثلاً، أو أن يصاغ ثم يعرض للاستفتاء العام، أو أن يصدر عن طريق التشاور، إلا أن الذي تم هو أنه صدر عن طريق هيئة تأسيسية منتخبة، وهو الحل الأمثل ديمقراطياً، وتم لهذا الغرض انتخاب المجلس التأسيسي من ٢٠ عضواً، كما امتنع الوزراء الشيوخ غير المنتخبين في المجلس عن التصويت على الدستور بأمر من الحاكم، فأصبح شعبياً خالصاً.

ولعله من المهم الإشارة إلى أن إعداد الدستور لم يتم على عجل، حيث عقد المجلس التأسيسي ٣٢ جلسة على مدى سنة كاملة من ٢٠ يناير ١٩٦٢ حتى ١٥ يناير ١٩٦٣ استغرقت حوالي ٢٨٧٥ دقيقة من النقاش وربما الجدل، وكان المجلس قد اعتمد على المسودة التي أعدتها لجنة الدستور التي انتخبها المجلس التأسيسي من ٥ أشخاص، وعقدت هي بدورها ٢٣ جلسة بدأت من ١٧ مارس١٩٦٢ حتى ٢٧ أكتوبر ١٩٦٢، واستغرقت نقاشاتها العميقة والثرية قرابة ٢٤٣٠ دقيقة.

من يقرأ محاضر لجنة الدستور والمجلس التأسيسي يدرك أن عملية إعداد الدستور تم التعامل معها بجدية، وإدراك من المشاركين لأهمية تلك الوثيقة، التي خرجت لنا بما هو "ممكن" وليس "بما يجب أن يكون"، عاكسة لموازين قوى تلك الحقبة، وقابلة للتطوير، ومازالت صيغة الدستور تمثل الأرضية التوافقية للمجتمع، والتي لن نتمكن من تطويرها إلا بذات المنطق التوافقي وإلا فلا مخرج إلا لمزيد من التردي.