اشتهرت الكويت منذ انطلاق حقبة الطفرة الخليجية النفطية في منتصف القرن الماضي بتنظيمها كمدينة حضرية نموذجية، اتخذتها جميع الدول الخليجية لاحقاً مثالاً لتخطيط مدنها الجديدة، بعد تدفق عوائد النفط وفوائضه عليها، في تلك الفترة باشر مجلس الإنشاء مهامه في تخطيط مدينة الكويت عام 1951، إذ كلف المغفور له الشيخ عبدالله السالم د. سيد كريم الإشراف على عملية إعادة تنظيم مدينة الكويت التي كانت تقوم به شركات عالمية، ليعطيه الروح العربية الشرقية.

Ad

نتيجة تلك المهمة كانت ناجحة، ونتج عن ذلك الجهد في البداية ثماني ضواحي سكنية نموذجية تستوعب 48 ألف نسمة بمواصفات تتماشى مع أجواء المجتمع وخصوصياته، إضافة إلى الخدمات المميزة من أنشطة تعليمية وصحية وخدماتية مختلفة، ليمتد هذا النموذج المميز إلى ضواحي الكويت حتى الجهراء شمالاً وأم الهيمان جنوباً، تخدمها مناطق تجارية في وسط العاصمة وحولي والسالمية والفروانية الخ، وعلى تخومها مناطق سكنية استثمارية لاستيعاب الأسر الوافدة ومن يرغب من الكويتيين، وامتد العمل وتوسعت الديرة على نفس الطراز بضواحي سكن خاص على نفس النموذج التأسيسي للمناطق السكنية في ما عدا مخالفات وتجاوزات جعلت منطقتي الجابرية وسلوى تشذ عن القاعدة، ويختلط فيهما الحابل بالنابل.

واليوم وبعد مرور ما يقارب الثلاث سنوات من قرار زيادة نسب البناء بنسبة كبيرة في مناطق السكن الخاص، فإن نموذج الجابرية - سلوى، بل حتى نموذج فوضى جليب الشيوخ، يعمم على كل مناطق السكن الخاص، فأصبحت البيوت الجديدة وما يهدم ويعاد بناؤه عبارة عن "بوكس - ميني عمارة"، وأصبح الشارع ذو عرض الأربعة أمتار، الذي يستوعب تقريباً 20 منزلاً و150 ساكناً و60 سيارة، يستقبل 120 سيارة و400 ساكن من الملاك والمستأجرين، بينما زادت كثافة طالبي الخدمات على مرافق الضواحي من مركز صحي ومدارس ومراكز تسوق بمقدار 20 ألف نسمة في بعض الضواحي!

ما يحدث حالياً هو تدمير لمناطق السكن النموذجي، وتحويلها خلال 10-15 سنة القادمة إلى نموذج الحواري أو الحارات الموجود في المدن العربية التي دمرت بسبب الكثافة السكانية العالية في مناطق محدودة المساحة والخدمات، والمؤشر الآخر السلبي الذي يزيد الوضع سوءاً هو تدافع المستثمرين لشراء الأراضي في مناطق السكن الخاص، وبناء نموذج "بوكس - ميني عمارة" من أجل التأجير، لسهولة الحصول على المستأجرين وبمردود عال مقارنة بالمناطق الاستثمارية للوافدين، وهو الأمر المشهود بشكل فج في ضاحية الصديق ومنطقتي العقيلة وأبوحليفة.

الظاهرة خطيرة وستدمر نمط السكن الخاص في الكويت، وتؤسس لمرحلة من العشوائيات، وهو ما يتطلب مراجعة سريعة لقرار زيادة نسب البناء الكبيرة التي أقرت منذ عدة سنوات، بسبب معاناة المناطق السكنية الكبيرة من سلبيات الضغط على الشوارع بين البيوت بعدد السيارات، وكذلك الخدمات بكل أنواعها... فهل ينقذ المجلس البلدي والحكومة تخطيط ونمط ضواحي مدينة الكويت السكنية من الزوال والاندثار بإعادة فتح ملف نسب البناء في السكن الخاص؟!

***

قرأت دستور الكويت منذ أكثر من 30 عاماً ومازلت، وراجعت غالبية محاضر المجلس التأسيسي منذ بدأت مزاولتي لمهنة الصحافة منذ أكثر من عقدين من الزمن، ومؤخراً عاودت قراءة المذكرة التفسيرية وبعض المداخلات الدستورية للمرحوم د. عثمان عبدالملك والنائب السابق حمد الجوعان في عدة مناسبات وأزمات سياسية، ولم أجد سنداً أو إشارة لسقوط مجلس الأمة شعبياً بعد انتخابه انتخاباً صحيحاً، ولذلك أرجو أن يشرح لنا أي من نواب الغالبية المبطلة السند الدستوري والقانوني لمقولتهم "مجلس 2009 ساقط شعبياً".