خرج ملايين من المصريين، في عدة محافظات في الوجهين البحري والقبلي، أمس، للمشاركة في مليونية «للثورة شعب يحميها»، بعد خمسة أيام من الاعتصام والإضراب والتظاهرات والاشتباكات وحرق مقار لحزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين، التي تحكم البلاد، بسبب ما أثاره الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس الخميس الماضي، ومنح نفسه فيه صلاحيات، اعتبرت «شبه إلهية»، وأثارت الرأي العام المصري والدولي.

Ad

ووفقا لتقديرات غير رسمية، زادت أعداد المتظاهرين في ميدان التحرير، على المليون، خلال ساعات المساء، بينما استمر اعتصام المتظاهرين داخل الميدان، للضغط على الرئيس محمد مرسي للتراجع عن إعلانه الدستوري، في ظل رفض رموز القوى الوطنية أي حوار مع الرئيس، قبل عدوله عن قراراته التي وصفوها بـ»الدكتاتورية».

ودفعت التظاهرات النظام الحاكم في مصر إلى أزمة داخلية، فبينما لوح رئيس الوزراء المصري هشام قنديل باستخدام القوة مع المتظاهرين في حال الخروج عن سلمية التظاهر، ما ذكر الثوار بأجواء نهاية نظام حسني مبارك، نقلت مصادر قضائية أنباء غير مؤكدة عن انشقاق في مؤسسة الرئاسة، حيث طلب نائب الرئيس المصري المستشار محمود مكي، وفق المصادر، تقديم استقالته بسبب الأزمة، كما تقدم ثلاثة من مستشاري الرئيس وأحد مساعديه باستقالاتهم رسميا، بينما سيطر هتاف «ارحل ارحل» على جموع المتظاهرين في جموع الميادين.

وزادت أعداد الثوار في عدة محافظات، بينها أسيوط وسوهاج، في صعيد مصر، ومدن القناة الثلاث، وقال مراسل «الجريدة» في الإسكندرية إن عشرات الآلاف خرجوا أمس في مسيرة تتبع نفس مسار تظاهرات 25 يناير 2011، متجهين صوب محكمة «الحقانية».

وعبرت القوى المدنية عن رفضها التام لكل ما يصدر عن مؤسسة الرئاسة، على لسان متحدثها الرسمي ياسر علي، الذي جاء في بيان له أمس الأول ان التعديلات الدستورية، التي أصدرها الرئيس، هدفها رد الاعتبار للثورة، من خلال إعادة المحاكمات، والإشارة إلى أن الإعلان يقتصر على القرارات السيادية.

وبينما قال رئيس حزب التجمع اليساري رفعت السعيد إن اجتماع مرسي مع أعضاء مجلس القضاء الأعلى لم يخرج بشيء، أكد أمين عام الحزب المصري الديمقراطي أحمد فوزي، في تصريحات لـ»الجريدة»، أن القوى الوطنية متفقة على عدم الاعتراف بالإعلان الدستوري أو بالتفسير الذي خرج به اجتماع المجلس الأعلى للقضاء، وبالتالي فإن الجميع مستمر في الاعتصام.

غياب الإسلاميين

وبينما أعلن المتحدث الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين محمود غزلان أن تأجيل مليونية تأييد الإعلان الدستوري جاء استجابة لرغبة العديد من الشخصيات العامة والقوى السياسية، لتخفيف الاحتقان، كشف القيادي بالجماعة د. حمدي حسن أن سبب تأجيل المليونية ورود معلومات تفيد بنزول بلطجية سيجرون الجماعة وأنصارها إلى العنف والدخول في مواجهات دامية تنتهي بكارثة تشمل الحرق والتخريب، في وقت أكد المستشار القانوني لحزب الحرية والعدالة أحمد أبوبركة الاتجاه إلى القضاء حال تخريب مقار الجماعة أو الحزب أو منازل قادتها.

من جانبها، بررت التيارات الإسلامية انسحابها من المشهد أمس، وإرجاء مليونيتها، بالرغبة في حقن الدماء، وكشف المتحدث الرسمي لحزب النور السلفي محمد نور أن إرجاء مليونية الإسلاميين يرجع إلى مساعي الحزب لحقن الدماء، بعدما وردت أنباء عن سعي البعض لإحداث مصادمات، فكان قرار الاجتماع الذي جمع بين قيادات من الإخوان والتيار السلفي، امس الأول، بإرجاء مليونية دعم قرارات الرئيس.

اعتصام القضاة

في الأثناء، قرر مجلس إدارة نادي قضاة مجلس الدولة، برئاسة المستشار حمدي ياسين، ونائب رئيس مجلس الدولة، عقد جمعية عمومية طارئة بعد غد، لإعلان رفضهم للإعلان الدستوري برمته، خاصة ما تضمنه من تحصين قرارات الرئيس، الأمر الذي اعتبره قضاة مجلس الدولة اعتداء على اختصاص أصيل من اختصاصاتهم المخولة لهم بحكم القانون.

في غضون ذلك، بدأ نادي القضاة أمس اعتصاما مفتوحا لحين إلغاء الإعلان الدستوري، وأكد نادي القضاة رفضه للبيان الذي صدر عقب لقاء الرئيس ومجلس القضاء الأعلى، معتبرا أنه زاد الأزمة تعقيداً.

وقال وكيل أول نادي القضاة المستشار عبدالله فتحي لـ»الجريدة» إن بيان الرئاسة لم يقدم أي حل للأزمة، وبالتالي فإن كل قرارات وتوصيات الجمعية العمومية والإجراءات التصعيدية مستمرة، ومنها الإضراب وتعليق العمل بالمحاكم.

وكشف عضو المجلس الأعلى للقضاء المستشار أحمد عبدالرحمن لـ«الجريدة» أن المجلس عرض خلال لقائه مع الرئيس عدة نقاط لحل الأزمة، منها عدم التدخل مطلقا في السلطة القضائية، وعدم تحصين قرارات الرئيس، إلا أنهم لم يتلقوا ردا، مؤكدا رفض المجلس بيان الرئاسة، لأنه عبارة عن مذكرة تشرح الإعلان.

من جانبه، قال عضو مجلس إدارة نادي القضاة المستشار علاء قنديل إن الأزمة بين الرئيس والقضاة لم تنته، مضيفا في تصريحات لـ«الجريدة» أن نائب رئيس محكمة النقض وأحد أعضاء المجلس الأعلى للقضاء أخبره بأن «الاجتماع مع الرئيس فشل فشلاً ذريعاً»، ولم يتم الاتفاق فيه على أي شيء.

وتباينت أمس الاستجابة لتوصية الجمعية العمومية لنادي قضاة مصر بالإضراب عن العمل حتى يتم التراجع عن الإعلان الدستوري، وفي الوقت الذي نظرت فيه بعض المحاكم القضايا العاجلة الخاصة بتجديد حبس المتهمين، شهدت المحاكم والنيابات المختلفة تراجعا ملحوظا في عدد مرتاديها.

وأعلنت غرف العمليات بنادي القضاة في اجتماع عقد أمس أن جميع المحاكم الابتدائية، البالغ عددها 26، على مستوى الجمهورية، علقت أعمالها تنفيذا لقرار الجمعية العمومية.