في الأول من أغسطس الماضي كتبنا في هذه الزاوية مقالاً بعنوان "حول مقاطعة الانتخابات" جاء فيه:
"المؤشرات الأولية تبين أن سيناريو مقاطعة "المجلس الوطني" غير الدستوري عام 1990 قد يتكرر مرة أخرى، فهناك كما يبدو حتى الآن جدية في الدعوة إلى المقاطعة خاصة أن القوى السياسية والشبابية التي وقعت على "وثيقة المقاطعة" حتى الآن مثل الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) والتكتل الشعبي (حشد) والحركة الديمقراطية المدنية (حدم) وكتلة "التنمية والإصلاح" وتجمع "نهج" وبعض المجاميع الشبابية الواعدة جميعها لديها قواعدها الشعبية المؤثرة والمنتشرة في كل الدوائر الانتخابية، ناهيكم عن الدور الشعبي المؤثر الذي من الممكن أن يلعبه بعض النواب السابقين وبعض الرموز السياسية. الأمر المستجد هذه المرة أن القوى السياسية والشبابية التي أعلنت مقاطعتها للانتخابات القادمة في حال تم العبث بالدوائر ونظام التصويت لن تكتفي، كما حصل عام 1990، بمقاطعة الانتخابات العامة، بل إنها ستقوم، كما أعلنت ذلك صراحة، باتخاذ خطوات تصعيدية تتضمن الاحتجاجات والندوات والتجمعات العامة والمسيرات الشعبية، ما ينبئ بارتفاع سقف المطالب الشعبية التي حتماً لن تتوقف عند موضوع توزيع الدوائر الانتخابية ونظام التصويت"!وها نحن نرى هذه الأيام أن الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات ترشحاً وتصويتاً لم تعد تقتصر على موقّعي "وثيقة المقاطعة" بل اتسعت شعبياً وسياسياً لتضم قوى سياسية وشبابية أخرى، كما أن المسيرات الشعبية الضخمة انطلقت بقوة وبشكل غير مسبوق في تاريخ الكويت سواء من ناحية العدد أو طريقة التنظيم.وهنا فإن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: ثم ماذا؟ كما ذكرنا غير مرة، فإن المطالب الشعبية سترتفع، خصوصاً أن الحكومة مصممة على الاستمرار في قرارها الخاص بتغيير آلية التصويت.لو لاحظنا بعض الشعارات السياسية التي طُرحت خلال مسيرتي "كرامة وطن" ويمكن مشاهدتها على "اليوتيوب" مثل "الحل... دستور جديد وحكومة منتخبة"، لعرفنا أن المطالب السياسية تتصاعد تدريجياً إذا ما جوبهت في بداياتها بالإنكار أو التهميش أو التهكم والاستهزاء مثلما حصل أثناء ثورات "الربيع العربي" عندما استهزأت الأنظمة التي سقطت بالتحركات الشعبية، ووصفتها بأبشع الأوصاف وأقبحها، لكن الجميع يعرف النتائج التي ترتبت على ذلك.في الكويت لا يوجد إطلاقاً من يدعو إلى تغيير نظام الحكم أو الانقلاب عليه، وكل ما يُدّعى في هذا الشأن هو إما تحريض رخيص، وإما كلام إنشائي سطحي ومرسل؛ لأن القوى السياسية والشبابية والشعبية كافة كانت وستظل متمسكة وبقوة بالأسرة الحاكمة وبنظام الحكم المستند إلى شرعية شعبية ودستورية.وأعلى سقف من الممكن أن تصل إليه المطالب الشعبية هو الإصلاح السياسي والديمقراطي الجذري والشامل الذي من المفترض، بل من الصحي جداً، ألا تُجبر القوى السياسية والشبابية التي تتبناها الآن على طرح مطالبها في المسيرات العامة والمظاهرات، لأن للشارع "ميكانيزما" يختلف اختلافاً كلياً عن الأطر السياسية العادية.
مقالات
المطالب الشعبية... و«ميكانيزم الشارع»
07-11-2012