ما العلاقة بين الله والإنسان؟ سؤال يستوقفني كثيرا وأتأمله طويلا وأفكر فيه لأخرج بإجابة واضحة رغم يقيني أن هذا السؤال في ذاته عند كثير من الناس أمر خطير.

Ad

الله خلق الإنسان، ولكن أتكون العلاقة بينهما هي العلاقة بين خالق ومخلوق؟ وللتقريب فقط ولله المثل الأعلى، هل يمكن اعتبارها مثلا كعلاقة مهندس بآلة ابتكرها؟ أو علاقة نجار بقطعة أثاث أبرز فيها مهارته؟ بالتأكيد لا.

إن العلاقة بين الله والإنسان تختلف عن هذه الأمثلة وغيرها، فهي علاقة من نوع آخر مختلف تماما، من نوع خاص كلما حاولت أن أبحث لها عن اسم أو مرادف لم أجد سوى أنها علاقة الله بالإنسان، فالله سبحانه وتعالى يقول "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً" (البقرة 30). ويقول "فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ". (الحجر 29) أي أن الله جل شأنه ارتفع بقدر الإنسان ومكانته في أمرين:

الأول في علاقة الإنسان بالمخلوقات الأخرى فقد سخرها الله سبحانه وتعالى لخدمة الإنسان، وجعله أعلاها شأنا وأرفعها مكانة، وجعل له السيادة عليها حين جعله خليفة له في الأرض، فكما أن الكون كله يخضع لله جعل كل مخلوقاته تخضع لخليفته في الأرض.

الثاني في علاقة الإنسان بذات الله العليا حين أضاف ياء المتكلم (روحي) وهي إضافة تشريف وتعظيم للإنسان، فلولا هذه النفخة ما كان الإنسان، وهي سر الخلق احتفظ به الله لذاته "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا". (الإسراء 85)، وفي علاقة الله بالإنسان كذلك صفة جديرة بالتوقف عندها، وهي دوام وتجدد العلاقة، أي أنها ليست منتهية تنتهي بخلق الإنسان، ولكنها تتجدد يوميا من خلال الصلاة، وهذا اللقاء المتجدد يحمل الكثير من المعاني، ويضفي على العلاقة بعدا وتميزا كبيرين.

ولو نظرنا إلى هذه العلاقة من جانب الإنسان لوجدنا اختلافا كبيرا تبعا لشخصية الإنسان، فالله واحد والإنسان مختلف، لذلك سنجد البعض ينظر إليها كعلاقة تجارية بحتة، وآخرون ينظرون إليها كعلاقة شكر وتقدير على نعم الله الكثيرة، والبعض يعتبرها علاقة حب لذات الله تعالى.

فمن يراها علاقة تجارية يعبد الله خوفا من عذابه، وطمعا في ثوابه، يؤدي الفروض المكتوبة من صلاة وصيام وزكاة، ومن ينظر إليها كعلاقة شكر وتقدير، يزيد على الفروض سننها سواء صلاة أو صوم تطوع أو صدقات... إلخ، ولكن إذا أصابه همّ أو غمّ أو عسر تفتر همته، وتقل عبادته، أما من ينظر إليها كعلاقة حب لذات الله سبحانه وتعالى فيكون دليلها عبادته في كل وقت، وفي الضراء قبل السراء، وفي النعمة واليسر كما في النقمة والعسر، ولسان حاله دائما يا حبيبي يا الله:

 قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ... وقد يبتلي بعض الناس بالنعم.

يقول الإمام علي زين العابدين "إن لله عبادا يعبدونه رهبة فتلك عبادة العبيد، وعبادا يعبدونه رغبة فتلك عبادة التجار، وعبادا يعبدونه حبا فتلك عبادة الأحرار"، فأي أنواع العبادات والعلاقة مع الله تحب أن تكون؟

قال صوفي "لا إله إلا الله جل في علاه، عفوه يمحو الذنوب، فكيف وده ووده يضيء القلوب، فكيف حبه وحبه يدهش العقول، فكيف قربه".

اللهم إنا نسألك عفوك وودك وحبك وقربك.