هل الآخرون دائماً على خطأ؟

نشر في 01-09-2012 | 00:01
آخر تحديث 01-09-2012 | 00:01
No Image Caption
مرحلة الشباب مليئة بالمعتقدات التي يتمسّك بها الأفراد ويرفضون أي جدال يتعلق بها. قد يكون ذلك أمراً جيداً، إذ يشغل القلوب والعقول بقضايا منسية نوعاً ما. لكن التفكير في أن الشخص الآخر قد يكون مخطئاً ليس ميزة للشباب فحسب، بل يشمل فئات المجتمع كافة تقريباً.

مع الوقت، يكتسب الأشخاص قناعات يدافعون عنها بشراسة ويساندونها كي لا يوجه إليهم أي انتقاد. والحماسة في الدفاع عن فكرة أو قضية ما رفيقة الشباب بامتياز، في رأي البعض. في المقابل، قد يعبّر الأهل عن استيائهم من الأمر بطرق مختلفة، لاعتقادهم بأن أولادهم يدافعون عن قضايا لا يجب الدفاع عنها.

بحسب علم النفس، يتغير هذا السلوك مع الوقت، وهذا أمر طبيعي، فالعيش من دون شكوك هو نوع من الغباء. للتوصل إلى الإيمان بشكل نهائي حتى اليقين، لا بد من الشك في بداية الأمر، ذلك أن اليقين يُبنى بعدما يدخل موضع الشك مرات عدة. وقد يرتبط الأمر أحياناً بعقدة الفوقية: «أنا على حق في ما أقول، لذلك مهما قال لي الشخص الآخر، أضع تحليله جانباً ولا أعيره اهتماماً». يؤدي ذلك بطبيعة الحال إلى حالة فراغ لدى الشخص المعني.

مواضيع حساسة

تختلف الآراء باختلاف الأذواق، فلو اعترف الناس بأن لكل واحد ذوقه الخاص فلن يدخلوا في نقاش أو جدال حول أمور غير مهمة. كذلك يجب القبول بأن لكل شخص الحرية في التفكير أو رؤية الأمور من منظاره الخاص. اللافت أن معظم الأشخاص يتجنّب خوض سجالات في الدين والسياسة في اللقاءات العائلية وغيرها، كي لا ينتهي الأمر إلى «حوار طرشان».

والحب؟

يتولد يقين أو إيمان ما داخل الشخص أنّه عثر على الشخص المناسب، ناتج من تفكير طويل، تجربة بين الطرفين، فيؤدي القلب دوراً أساسياً ليصبح الجانب العاطفي في أقصى درجاته، فلا يتمكن أحد من التدخل لإبداء رأي في العلاقة.

الأمر نفسه ينطبق على العلاقة بين الأم وأطفالها. ألم تسمعوا أحداً يقول: «قد أختلف مع أمي، لكن لا أسمح بانتقادها أمامي». حتى لو لم تكن الرسالة الموجهة هنا على قدر من الأهمية، إلا أنها غالباً ما تكون إعماء عن الحقيقة، أكثر مما تكون يقيناً.

الأمر نفسه بالنسبة إلى الدين، إذ من الصعب المناقشة فيه. بغض النظر عن احترام القناعات الدينية لكل شخص، تكمن المشكلة عندما نرغب في تغيير قناعات شخص ما. لن يجدي هنا أن تكون لنا إجابات مقنعة، فالشخص المقابل لا يهتم فعلياً بالتحليل أو الاقتناع بقدر تمسكه برأيه.

أي نوع من الشخصيات؟

ثمة أشخاص لديهم ثقة غير مسبوقة بالذات ويفرضون آراءهم، ولا يتركون للمحيطين بهم مجالا للتعبير عن أنفسهم. كثر هم الذين يعتقدون أنهم يمتلكون الحقيقة في مواضيع مختلفة، سواء في وصفة طعام، أو حدث تاريخي أو عمل حسابي بسيط، وهذه أمور غالباً ما تكون الحقيقة واضحة فيها.

غالباً، يحتمل الأمر نقاشاً حول قضية ما، كالحديث عن الأزمة الاقتصادية، ارتفاع الضرائب، تربية الأطفال، اختيار منصب معين... في حال كان أحد المحاورين مرناً، يمكن خوض نقاش في البحث عن حلّ ما أو التوصل إلى اتفاق حول رأي معين، أما إذا كان مقتنعاً برأيه، فيصبح النقاش عقيماً.

تمنى بعض الفلاسفة، وأبرزهم ديكارت، إزالة مصادر الخطأ لبلوغ عقلانية مثالية، إلا أنهم لم يتوصلوا إلى أدلة تحقق لهم نظرية فلسفية ثابتة، كما في علم الرياضيات أو الفيزياء أو علم الفلك. في أعلى مستوياتها، تبقى هذه النظريات عرضة للشكّ والمساءلة. حتى نظرية آينشتاين تخضع للمراجعة من حين إلى آخر.

أهمية المحاور

لدينا ميل للردّ بطريقة مختلفة على المحاور في الجهة المقابلة لنا. غالباً ما نقبل أن يُشكّك أشخاص يملكون سلطة معينة علينا في نظريتنا، أو شخصيات نعتبرها متفوقة فكرياً. بالتالي، يمكن تقدير رأي بروفسور جامعي أو الاقتناع به، أكثر من الاقتناع أو خوض جدال مع شخص لا نعتبره من مستوانا الفكري نفسه.

اليقين والإيمان

يجهل كثر الفرق بين هذين المفهومين. الأشخاص الذين هم على يقين بامتلاك الحقيقة يرفضون أن يشكّ أحد بما يقولون، أما الإيمان فهو غالباً الاقتناع بحقيقة قد يكون طوّرها الشخص نفسه وليست ثابتة، ما يقود إلى رفض أي رأي يختلف عن رأي الشخص المعني، بالتالي، يشير اقتناع المرء هنا بأنّه على حق إلى نهاية الحديث أو النقاش، فتبدو أي محاولة للحديث أو المجادلة كمونولج ذاتي، لأن هذا النوع من الأشخاص غير منفتح لا يعير الآخر أي اهتمام. لا يبدو أن ثمة أمراً أشد سوءاً من ذلك، فغالباً ما يعجز هؤلاء عن قيادة حوار جيد أو حتى القراءة بشكل جيد، إلخ.

يذكر أن الذين لا يقتنعون بأي جدال طوّروا نوعاً من النرجسية في داخلهم، جعلهم يعتقدون بأنهم على حق في كل ما يقولونه أو يقومون به، وبأن الشخص الآخر في مرتبة متدنية منهم. في المحصلة، قد يعتبر هذا الأمر نتاج شعور بالفوقية ترسّخ مع الوقت، أو نتيجة شك متكرر بالذات. وقد يصل الأمر إلى حد الاعتقاد بأنهم يشبهون المخلّصين الذين يعاملهم محيطهم بعدائية، لذلك، حري بكم أن تبقوا متيقظين لهذا الأمر.

back to top