كيف يبدو المشهد المصري الآن؟

Ad

بداية سنختلف حول "الآن"! فستختلف الوضع عند كتابة مسودة المقال عن كتابته النهائية، وسيختلف بالتأكيد عن وقت نشره وقراءته، فالمشهد المصري في حال حراك دائم؛ لذلك سنترك الجزئيات التفصيلية جانباً ونتحدث في الخطوط العامة والملامح الرئيسة للمشهد السياسي المصري، والذي يمكن تلخيصه في عبارة واحدة "حال من الأنانية والعناد وسط ضباب إعلامي كثيف" والسؤال كيف وصلنا إلى هذه الحال؟

بعد نجاح ثورة يناير في خلع مبارك تولى المجلس العسكري الحكم، وبدأ بممارسة مهامه السياسية، وكانت البداية الاستفتاء على تعديل الدستور بمباركة وتشجيع وتأييد الإخوان المسلمين، فبنود التعديل تتفق تماما مع أهواء الطرفين، وبالفعل جاءت الموافقة بأغلبية كبيرة تجاوزت الـ70% وبدأت خارطة الطريق وفق نتيجة الاستفتاء وفي ذات الوقت كان الاستفتاء الشرارة الأولى في الانقسام بين الإخوان وقوى سياسية أخرى شاركت في الثورة، ولكنها رفضت التعديل (استمر الوفاق شهرين فقط من 25 يناير– 19 مارس) ورغم ذلك ونظرا للأحداث الطائفية المتتالية والمظاهرات الفئوية المتعاقبة توارى الخلاف إلى الوراء مع بعض الوفاق الظاهري. إلى أن جاءت الانتخابات البرلمانية وفيها تم الانفصال التام بين القوى السياسية، فمن نجح أصر– ويصر- على حصد ثمار النجاح ومن فشل أصر– ويصر- على إنكار فشله، ويسعى إلى إثبات وجوده بالقوة على طريقة "فيها لخفيها" التي كنا نمارسها، ونحن أطفال... وكلما زاد الخلاف والتناحر بين الطرفين زادت سلبية المجلس العسكري وفرحه بما يحدث لينشغل الجميع عنه، فيخطط هو كما يشاء لخريطة طريق خاصة به، فالمجلس النيابي لا يعنيه، والحكومة لا تقلقه، والرئيس المخلوع تحت حمايته، والشعب تحت وصايته، وله أن يفعل ما يحلو له، والجميع في النهاية سيسير وفق هواه (هكذا يفكر). بعد الانتخابات جاءت أزمة تشكيل لجنة إعداد الدستور، وهنا يبرز الضلع الثالث في المشهد، وأصبحت الصورة ضبابية تماماً، فالكل يتحدث، والكل يصرخ ولا أحد يستمع، والعبارات يرددها الجميع كالببغاوات بلا فهم ولا قيمة. الأغلبية ليس من حقها وضع الدستور لأنها متغيرة... "تمام" الشعب هو من يضع الدستور بالتوافق بين طوائفه... "تمام" ولكن كيف؟ لا أحد يعرف كيف يمكن لـ90 مليون أن يختاروا 100 شخص لوضع الدستور؟ أليس من الطبيعي والضروري أن يقوم ممثلون عن الـ90 مليون بهذا الاختيار؟ هل هناك ممثلون عن الشعب غير نواب البرلمان؟ ولكن لأن البعض يرفض أن يكون هؤلاء هم نواب الشعب– رغم فوزهم بالأغلبية- ويصر أن يكون هو فقط، رغم فشله في الانتخابات، المتحدث باسم الشعب ارتفع الصراخ وزاد العناد بين الطرفين. وانخدع الإخوان بأغلبيتهم وأصروا أن يكونوا أعضاء في اللجنة، ولم يكتفوا بحقهم– كما نص الإعلان الدستوري- في الاختيار، ولو أنهم فعلوا ذلك وتركوا لمن يريد من خارج المجلس الترشح لانتهت المشكلة، وعلى الجانب الآخر انسحب البعض (منهم الأزهر والكنيسة) من اللجنة عنادا مع الإخوان في موقف "هزلي" أفقدهم الاحترام، فلو كانوا صادقين مع أنفسهم ومع الشعب لما قبلوا الترشح والاشتراك من البداية كي لا يكون انسحابهم "شو إعلامي" أكثر منه التزاماً فكرياً أو مبدئياً. كما أن العلاقة بين المجلس والإخوان تحولت من وفاق وسلام إلى "عض أصابع"، فالمجلس العسكري يهدد بحقه في حل مجلس الشعب باعتباره الحاكم، ويرد الإخوان بحقهم في سحب الثقة من الحكومة لأنهم ممثلو الشعب، أو على الأقل إهانتها يوميا في جلساتهم، وكانت "العضة" الأخيرة ترشيح الشاطر للرئاسة رغما عن أنف المجلس العسكري.

ومن يفعل هذا أو ذاك لا يبحث سوى عن مصلحة جماعته دون النظر لأهداف الثورة ومطالب الشعب، فلا مجلس الشعب بأغلبيته الإسلامية يبحث عن مصالح الشعب، ولا الحكومة تشعر بمعاناة المواطنين، ولا المجلس العسكري يسعى إلى تحقيق أهداف الثورة المؤتمن عليها، ولا القوى السياسية– التي تدّعي الليبرالية زورا وبهتانا- حريصة على احترام الرأي الآخر وإرادة الناخبين.

هذا هو بكل صراحة وأسف المشهد السياسي الآن دون الحديث عن الانتخابات الرئاسية التي زادت الأمور تعقيدا كما سنرى في المقالات القادمة.