لو أردنا وضع أحداث الأسابيع القليلة الماضية على ميزان التقييم لأجل أن نحدد أي الطرفين أكثر تقدما حتى اللحظة فسنجد أنه الحراك الشعبي، وأن السلطة في الحقيقة قد منيت بهزيمة ثقيلة على المديين القصير والبعيد، وسأضرب لهذا ثلاثة أمثلة فقط مستندا إلى ثلاثة أحداث مفصلية كانت قد جرت.

Ad

الحدث الأول اعتصام ساحة الإرادة والذي كان تحت عنوان "كفى عبثاً" وجرى في منتصف أكتوبر الماضي، وهو الاعتصام الذي تميز بخطاب غير مسبوق أبداً، سواء على مستوى الكويت أو على مستوى سائر المنطقة للنائب السابق ورمز المعارضة مسلم البراك، والذي رفع من خلاله السقف إلى مستوى خطابي صدم وباغت الجميع، بمن فيهم أعضاء كتلة الأغلبية ومؤيدوها أنفسهم. هذا الخطاب قد شرع جميع الأبواب على مصاريعها أمام الجميع، وبالتالي فإن لغة جميع الخطابات والطروحات التي ستلحق من الآن فصاعدا، سواء في إطار هذه الأزمة أو خارجه، وستوجه إلى مسؤولي الدولة على اختلاف مستوياتهم ومراكزهم، قد تغيرت إلى الأبد. نعم، صحيح أن القليل جدا سيتجرؤون على بلوغ ما بلغه البراك، فهذا الرجل وظروف الندوة وملابسات خطابه تمثل جميعها حالة استثنائية نادرة يقر بها حتى خصومه، إلا أن القفزة الشاهقة التي بلغها البراك بهذا الخطاب قد أوجدت مسافة واسعة وكبيرة من الفراغ في لغة الخطاب المستخدمة سابقاً في انتقاد أركان السلطة لابد أنه سيتم ملؤها بأشكال حادة تختلف عن السابق تماما.

هذه السابقة الخطابية، حتى إن انتقدنا مفرداتها وأسلوبها، قد شكلت في تقديري انتصارا ساحقا للحراك الشعبي، وهو الأمر الذي ستكون له ثمراته الإيجابية لمصلحة الواقع السياسي وجسارته وشفافيته في القادم من الأيام.

الحدث المفصلي الثاني هو "مسيرة كرامة وطن" الأولى، والتي حافظت على سلميتها بشكل واضح كما شهد كثير من المراقبين المحايدين، ومع ذلك أدت إلى خروج القوة الأمنية عن طورها واندفاعها لاستخدام العنف بشكل مبالغ فيه وصل إلى حد الهستيريا، وهو الأمر الذي كشف ضيق السلطة الواضح من اعتراضات المعارضة، وزيف إيمانها بالديمقراطية التي تتغنى بها، مما أحرجها، ليس على الصعيد المحلي فحسب إنما على الصعيد الدولي أيضا، واسترعى انتباه الإعلام الدولي واستدرج رسائل نقد شديدة اللهجة وُجهت إليها. وهذا الحدث قد شكل كذلك انتصارا سياسيا وإعلاميا مهما للحراك الشعبي الذي تمسك بسلميته في مواجهة سلطة فقدت الحكمة فغضبت وبطشت!

الحدث المفصلي الثالث هو إلقاء القبض على نواب كتلة الأغلبية السادة خالد الطاحوس وفلاح الصواغ وبدر الداهوم، وبعدهم بأيام مسلم البراك، وذلك إثر خطاباتهم في اعتصام "كفى عبثا" الشهير وهو الأمر الذي، أعني إلقاء القبض على النواب، انتهى في واقع الأمر إلى عكس ما أرادته السلطة تماماً، فقد ازدادت شعبية هؤلاء النواب المعتقلين وتصاعدت رمزيتهم السياسية، بل حشدت الجماهير خلفهم بشكل أكبر مما كان؛ مما عضد موقفهم وشد من أزرهم، ولم ولن يردعهم بأي شكل من الأشكال عن الاستمرار في المعارضة. وهذا الحدث شكل أيضا انتصارا كبيرا ثالثا للحراك الشعبي في مواجهة السلطة.

ثلاثة انتصارات متتابعة للحراك الشعبي، أكاد أجزم أنه ستتبعها انتصارات ومكاسب أخرى للمعارضة، لن تحتاج إلى عميق تخطيط وذكاء منها، بل قصارى الأمر أن تستمر السلطة في التخبط في انفعالاتها وردود أفعالها، لتجد نفسها في النهاية وقد خسرت المعركة.